الأهرام
د. شوقى السيد
«حضرة » الحكومة .. هذا بيان وهدى
طالبنى البعض، أن أعيد وأزيد عما كتبت الاسبوع قبل الماضى، عن خطورة تفشى الخوف.. واتباع منهج السلبية.. واللامبالاة.. والهروب عند اتخاذ القرار إيثارا للسلامة..
وعدم تحمل المسئولية، والبيروقراطية ، خاصة أن لدينا فى مصر ثلاثة وثلاثين وزارة، يرأس كل منها وزير، بوزارة أو بحقيبة، وهم مسئولون جميعاً بحكم الدستور والقانون والقسم _ وهو قسم لو تعلمون عظيم _ عن تحقيق مصالح الدولة وصالح المواطنين، فالوزير هو الرئيس الإدارى الأعلى لوزارته، ومسئول عن أعماله وأعمال تابعيه بنص الدستور، كما أنهم جميعاً مسئولون أمام الشعب عن تحقيق مطالب الناس ومصالحهم، وفضلاً عن الوزراء فلدينا أيضاً نواب الوزراء ووكلاء الوزارات وكبار الموظفين وصغارهم، والمحافظين على رأس كل محافظة من محافظات مصر، ونواب المحافظون، كلهم جميعا مكلفون بخدمة عامه لخدمة الشعب ورعاية مصالحه، ومسئولون عن اقتحام الصعاب.. واتخاذ القرار وتحمل المسئولية بالقوة والحق، لا يخشون تهديدا او وعيدا ،وقد بلغ عدد هؤلاء جميعا بالملايين.
والغريب أن هذه المبادئ ليست جديدة علينا، ومع ذلك نصطدم بعكسها فى كل وقت وحين حتى صارت منهاجا ، رغم أننا ومنذ نحو قرنين من الزمان ، فى 3 يناير 1825 أصدر محمد على باشا أمراً إلى أعضاء المجلس العالى بالقلعة المأمورين بتسيير الأمور وتحقيق مصالح البلاد، قانوناً لترتيبات العمل بالمجلس، بلوائح استغرق إصدارها نحو اثنى عشر عاماً، حددت الالتزامات والواجبات والحقوق لتحقيق مصالح البلاد والعباد.


وجهت هذه الأوامر الموظفين ، بقراءة المصلحة بالأذن القلبية، والبعد عن المحاباة لأغراض نفسية، والتزام التجرد والموضوعية، ومراعاة المواعيد ونتائج الأعمال، والحضور من الصباح والبقاء حتى المساء، ووجود بعض الخبراء لقضاء المصالح وترويجها، ومهما اختلفت، فإن حسن سير الأعمال ضرورة لقضاء المصالح ، وهم جميعاً مسئولون عن الخير والشر، واذ كان البعض يظهر الأمر على غير صورته خشية المؤاخذة ، فإنه يجب ازالة الخوف والمحاذير باتباع الأصول واجتناب محاباة أحد من الناس أو مراعاة خاطره، وفى «الفصل الثالث» حدد العقوبات لتحقيق عدالة الحكومة وتنفيذ أحكام القوانين لتؤكد أن الجميع سواسية، وأكدت الأوامر» أن هذه المبادئ لتحقيق عزة البلاد ورفاهية العباد، وأن ذلك منوطاً بأمور ثلاثة أولها الانصاف والعدالة، وثانيها الصدق والاستقامة ، وثالثها الاجتهاد والغيرة» .


هذه الكلمات ياحضرات صدرت فى مصر منذ قرابة قرنين من الزمان ، صدرت بعدها قوانين ولوائح وتشريعات ، أكدت تدعيم ذلك وأكثر منه، ومع ذلك ظلت السلبيات تضرب أطنابها فى أرجاء البلاد، حتى كتب لنا محمد حسين هيكل منذ نحو اكثر من سبعين عاماً ، مقالاً نشر فى جريدة السياسة الأسبوعية فى 23 ديسمبر 1939، معبراً عن استياء الأمه من سياسة الارتجال عن الاصلاح، مطالباً بتأليف هيئة تمثل أولى الرأى لوضع المبادئ التى تقوم عليها سياسة الاصلاح ورسم الخطة وترتيب أولوياتها ، وأن تشترك الحكومة والبرلمان فيها لتحقيق جميع أوجه الاصلاح .


وفى عام 1995 منذ نحو عشرين عاماً كتب المرحوم الدكتور ابراهيم شحاتة نائب رئيس البنك الدولى، ورئيس المعهد الدولى لقانون التنمية، كتب لنا فى وصية للبلاد عن الاستهتار الشديد والتعقيد، وبطء التنفيذ واللامبالاة، وأن الاصلاح الادارى لم يتحقق بعد، وما زالنا فى أشد الحاجة الضرورية إلى التنفيذ، وأن من أولويات الإصلاح إعادة تنظيم جهاز الدولة بمفهوم جديد لدور الموظف العام، وإعادة النظر فى القرارات والإجراءات ووضع نظام جديد للتعامل مع الجمهور ومعالجة مشكلة العاملين الزائدين عن الحاجة، وكلها حلول عملية علمية أخذا بتحارب دول سبقتنا، مثل اندونسيا وتايلاند وغيرهما، ومع ذلك ظل السير إلى الخلف.. أو الوقوف محلك سر.. ونسينا التقدم إلى الأمام.


وفى دراسة ميدانية قامت بها لجنة الشفافية والنزاهة فى أكتوبر 2010 أجراها نحو 47 من العلماء والخبراء والمتخصصين فى علوم الاجتماع والاخلاق والاحصاء عن الأطر الثقافية لسلوك المصريين واختياراتهم، وأن عدم الثقة فى الحكومة يرجع إلى عدم الوفاء بوعودها وعدم تصديها للأهمال والتسيب واللامبالاة.. وأن تصريحات الدولة عكس قراراتها وافعالها.. وعدم مصداقية وسائل الإعلام، وأن موظفى الحكومة أقل الفئات جدية فى المجتمع وأن نصيبهم من العمل لا يتجاوز 15٫9% ويفتقدون القدوة والروح الجماعية وأن الوهن الأخلاقى ونقصان التدريب والبيروقراطية وغياب الذات والخوف من الإصلاح وانتشار المحسوبية والوساطة والخوف من المستقبل كل ذلك يؤدى إلى السير إلى الخلف، ومع ذلك يأتى تقييم أداء العاملين بالدولة بنسبة 98% منهم يحصلون على تقدير ممتاز!! واوصانا بتدريب كل المسئولين والعمل على اصلاح الجهاز من البيروقراطية لانها بداية الطريق ، فكل انسان لديه القدرة على الإصلاح كما أن لديه القدرة على القعود والجمود، اذا تركنا للسلبية العنان وسمحنا لها بالسيطرة فى كل الأحوال!!


ومع نصوص الدستور، وكثرة عدد التشريعات والسوابق القضائية ، على مدى العصور، فمازالنا حتى الآن نسمع عن تعديلات تشريعية، وعقد مؤتمرات وتشكيل لجان، سوف تكون جادة ومدروسه لحل مشاكل المستثمرين وحماية الاستثمارات.. بحلول غير تقليدية.. وتيسير للإجراءات غير مسبوق ولكن ذلك كله يأتى من القيادات الرئاسية العليا فى البلاد، لكن المشكلة أن تطبيقها يصل فى النهاية الى موظفى الدولة كبيرا أو صغيرا الذين يدرسون ويدرسون ويجتمعون وينفضون، ويصرون على ألا يصلوا إلى قرار لأنهم يخشون المساءلة والحساب، حتى ضربت البيروقراطية أطنابها فى البلاد، وساد الروتين والتهرب من المسئولية والمواجهة والتقدم إلى الخلف، حتى أن عدد اللجان وتشكيل أعضائها ظلت تبحث عن الأمان حتى صارت حجر عثرة فى عقد الاجتماع أو إتخاذ القرار.


لكن يبدو أنه بسبب طول الزمن.. واستمرار السير إلى الخلف، تفشت أمراض البيروقراطية والخوف من الإصلاح.... وبعد هذه الإعادة والزيادة.. فهل تقتحم حكومتنا الرشيدة بعزم واصرار مواطن تلك الأمراض، ومعاقل الروتين.. وتبادر إلى إيجاد القدوة والمثل ، للقضاء على الخوف والفزع من المسئولية ، حتى تتمكن البلاد من السير إلى الأمام ، خاصة وقد جرت حركة محافظين جدد معظمهم من الشباب ورفعت الحكومة شعار من لا يتحمل المسئولية عليه أن يرحل، ويترك لغيره تحمل المسئولية والشجاعة وإتخاذ القرار، على ان يكون ذلك بالانصاف والعدالة والاستقامة والاجتهاد والغيرة، والإستماع إلى مصالح الناس بالأذن القلبية وهى شعارات رفعت منذ قرنين من الزمان، لكنه ليس بالشعارات وحدها ولا بالتشريعات يتحقق الإصلاح المنشود، لأن حياة التشريعات فى تطبيقها بعزم وقوة على الجميع!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف