الأهرام
علاء الديب
حكاية «وردة» من بنى سويف
استطاعت الكاتبة «هدى توفيق» أن تقدم فى رواية «المريض العربي» تسجيلا مرا لسنوات حكم الإخوان الذى يبدو الآن وكأنه كان كابوسا طويلا ترك فى


جسد الوطن والأفراد ندوبا وجراحا ليس من السهل نسيانها أو تصور أنها لم تحدث. هذا النفق المظلم الخانق الذى اختلطت فيه القيم والمشاعر وتعرض الدين والوطن والحرية لامتحانات ومحن عامة وخاصة واجهها كل فرد بالقدر الذى يملكه من صلابة واعتقاد. أمتحن فيه الصدق والصلابة، ووضوح القيم والاعتقاد واليقين.

الرواية كما يبدو من العنوان تنسج على منوال الرواية والفيلم الشهيرين «المريض الإنجليزي» ليس فقط فى الاسم ولكن فى التداخل بين مأساة علاقة شخصية مدمرة، ووطن أو عالم يعانى نفس المحنة والتدمير.

«وردة» بطلة «المريض العربي» سيدة شابة من بنى سويف تزوجت فى القاهرة وتسكن مع زوجها الذى تعشقه وابنها الذى هو فرح حياتها فى شقة بسيطة فى شارع فيصل بالهرم. الزمن بداية سيطرة الإخوان على الحكم، والوقت ساعة الظهيرة. «وردة» تقف فى الطريق مع ابنها كمال فى انتظار مواصلة تنقلهما إلى البيت. يأتى شاب أخرق أو صبى على الأرجح يركب «موتسيكلا صينيا جديدا بلا ترخيص» لكى يطيح بها من جوار ولدها لكى تحط على الأرض مهشمة الساقين، فاقدة الوعي.

تبدأ الرواية من تلك اللحظة العبثية لكى يسير وقع الزمن المؤلم فى المستشفى وفى تداعى الجراحات وقسوة الغرف الباردة والأطباء الحيارى أمام حالة معقدة، وجراحات مركبة فى العظم واللحم وفى روح المريضة، التى تركت الولد فى الطريق. والزوج الذى كان يعمل فى السياحة المضروبة والذى أدار ظهره فى نذالة غير متوقعة، لكى يرتبط بواحدة من السياح الكنديين النادرين و«يخلع» معها من الزوجة المصابة والبلد المحطم والابن الذى يبحث عن مأوي.

فى لحظة غامضة عبثية اجتمعت كل هذه البلاوى على رأس «وردة» الحالمة الشاعرة التى تركت بنى سويف لكى تجد حياة حب وشعر وفن فى القاهرة: التى أعطتها صفعة لم تقتلها ولكن تركتها تبحث فى داخلها عن كل إمكانات الصلابة والمقاومة.

هناك دائما «نور» بسيط فى نهاية النفق. الشقيق العائد من السعودية اخترق حجب الظلام لكى يقف رجلا إلى جوارها، رغم اعبائه وزوجته الحامل التى على وشك الوضع.

استجمعت «وردة» الفتاة الصعيدية «الجدعة» الفنانة كل ما تملك من إنسانية مدمرة من الداخل والخارج، واستعانت بالشعر تستعيد مبررا للوجود وللحياة، ولمقاومة الواقع، الذى يزداد ظلاما عندما تتابع ما يحدث فى البلد من أحداث بشعة وحرق وتدمير للكنائس، وأغلب المعانى الإنسانية التى بنى عليها هذا الوطن، زوجة الأخ تضع حملها: لكى تنجب «وردة» جديدة.

بعد عدد من الجراحات بين النجاح والفشل وتحت سحابات الألم المستمر، وحقن المسكنات والمورفين تستطيع «وردة» أن تحصل على تصريح بالرحلة بعربة إسعاف إلى بيت أمها فى «بنى سويف». حيث تقدم لها الأم الكبيرة فيضا من الحب والرعاية والحنان لتعالج خارجها وداخلها مما أصابها من عطب لا يوصف. هناك فى بنى سويف حيث حنان الأم ودفء التاريخ القديم، أيام الحلم بالفن والكتابة والمستقبل ، تحاول وردة أن تستعيد قدرتها على المقاومة وتستعين بالأجهزة الجديدة، الإنترنت والفيس بوك حيث تقع على اكتشاف «نور» العراقى الذى يعانى نفس الدمار الداخلى والخارجى الذى تعيشه «وردة» ويبدأ نسيج روائى جديد لكى يكشفا الطاعون الذى يضرب العالم العربى من الجنوب إلى الشمال، يخرج نور من محنة لكى يقع فى مأساة، ويصاب بطلقات رصاص عندما حاول أن يجد حياة جديدة هنا فى مصر!

وردة ونور هل هما مرضى أم مصابان؟! العالم العربى كله مريض أم مصاب!؟

السؤال: هل هناك فاعل مجرم، أم هو قدر أحمق. تبحث وردة فى الشعر فى أساطير الرافدين وجلجا مش عن إجابة. ويبقى السؤال طير متوحش غامض محلق فوق الرءوس من بغداد والبصرة والموصل، حتى القاهرة والجيزة وبنى سويف.

> > >

استطراد الكاتبة فى رواية الأساطير وتسجيل محاولات الشعر، أرى أنهما أفقدا العمل حدة ووحدة، وأحكاما كانت الكاتبة قد وصلت إليها، خاصة فى الشاعرية الروائية التى كتبت بها أيام العودة إلى بنى سويف: إلى أحضان البيت القديم والمدينة التى مازالت تحمل رائحة أحلام الشباب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف