نشوى الحوفى
عودة الضمير.. عودة القانون
دعونى كى أحكى لكم عن اتصالين هاتفيين لاثنين من مستمعى البرنامج الإذاعى «هنا مصر» الذى أقدمه على شبكة البرنامج العام. وهما اتصالان حصلا على دهشتى، بل غضبى، على ما أصابنا إلى حد أننا بتنا لا نرى أننا جزء من المشكلة، بل المشكلة ذاتها.
الاتصال الأول من مواطن من محافظة البحيرة قال فيه إن ابنه رسب ست سنوات فى مدرسته الثانوية الصناعية، سنتين فى العام الأول، وأربع سنوات فى العام الثانى الذى ما زال فيه حتى الآن! ثم تساءل بحدة موجهاً حديثه لى: «فين المدرسة بقى فى كل ده؟ وأعمل إيه فى ابنى أرميه فى الزبالة؟». هالنى كلام المتصل الذى لا يدرك أنه وابنه جزء من المشكلة، بل المشكلة كلها، وبخاصة فى ظل غياب مؤسسات التعليم الفاعلة التى تحدد مستوى الطالب وقدراته وتعالج مشكلاته. وانتهى حوارى معه بأن أجبت بتوجيه سؤال له: «أين أنت؟ أين الأسرة؟».
ثم جاء الاتصال الثانى من مواطن من الإسكندرية قال فيه إنه مأمور العمارة التى يسكن بها وإن هناك شقتين فى العمارة بلا عدادات كهرباء بعد سرقة أحدهما وكسر الآخر، ورغم ذلك تأتى فواتير الكهرباء لكلتا الشقتين بدون قراءة فعلية؟! فسألت المواطن المنزعج من القراءة فى ظل غياب العدادات: «حضرتك بلغت عنهما لاستبدالهما بعد الكسر والسرقة؟» فنفى ذلك بسرعة بسبب انشغال وسفر أصحاب الشقتين، وقال بالحرف: «مش هى دى المشكلة»! فقاطعته نافية حديثه قائلة: «لا هى دى المشكلة»، فالمواطن الذى لم يخبر عن عدم وجود عدادات كهرباء منزعج لأن الفواتير تأتى بلا قراءة؟!!!!! أى عبث نعيشه فى الضمير المصرى؟ وأى منطق نتحدث به؟ لماذا لا ندرك أننا جميعنا يمارس الفساد على بعضنا بعضاً ونطالب الدولة والحكومة بعدم الفساد، متناسين أننا نعمل فى منظومة الحكومة وأننا نحن الدولة بحكم حياتنا وعملنا وعيشتنا فيها؟
دعونى أحدثكم اليوم حديثاً مختلفاً بعيداً عن السياسة والأحداث المتسارعة حولنا. مسنا المسخ حين غابت قيم العطاء والقناعة والضمير الحى الذى يرفض الحرام حتى لو فى نقطة ماء. غابت الرؤية حينما زاد تضخم الأنا التى لا ترى إلا نفسها ولا تنظر لعيوبها ونواقصها لإصلاحها. تعلقنا بتدين زائف نهتم فيه بمظاهر الحجاب واللحية وعلامة الصليب على رسغ اليد والإسراع لصلاة الجمعة وقداس الأحد، وتناسينا الهدف الأكبر من كل تلك الأمور أن نكون «بنى آدميين». نشعر بمن حولنا فنمنحهم الأمان والحب. نؤمن بوطن ننتمى له، فنحميه لا بالذود عنه فى المخاطر وحسب، ولكن فى الحفاظ على كل ممتلكاته وبنيته وحقوقه. نعبد الله وكأننا نراه لأنه يرانا، ويعلم سرائرنا التى نخفيها. نقدس الضمير ونسمو به ونعلى من شأن نفس لوامة ترفض الخطأ وإن صغُر حجمه وتسعى للخير سعيها فى الحياة. دعونى أكررها لكم حتى لو مللتم تكرارى للحديث، سنقف جميعاً أمام الله بلا مجتمع أو حكومة أو دولة أو عزوة، سنقف بأعمالنا فقط، سنُحاسب على ما فعلناه نحن فقط، سيصحبنا فى ذلك المشهد عملنا فقط، لن يتقبل الله مبررات من نوعية «أصل الحكومة.. أصل المجتمع.. أصل..»، سيحاسبنا على ما قدمت أيدينا يا سادة فقط. نعم نحتاج عودة الضمير بقوة.. ونحتاج لتفعيل القانون بشدة حتى لا يزداد المسخ بداخلنا، ومن حولنا.