الوطن
د. محمود خليل
«وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ»
كثيرون حرّضوا على شباب الألتراس خلال الأشهر الماضية، وعندما أُهدرت دماؤهم من جديد فى مذبحة «الدفاع الجوى» ارتبك البعض، وحزن البعض، وواصل آخرون التحريض عليهم. سواء من حزنوا أو شمتوا فى وفاة هذا الشباب وحرّضوا على المزيد، فقد منح الطرفان منذ البداية من يهمه الأمر تصريحاً بالقتل، ووجهة نظرهم فى ذلك أن شباب الألتراس لم يعد يحترم القانون وأنه يريد أن يفرض إرادته على الجميع وقتما يريد، وأن عودة هيبة الدولة تقتضى تطبيق القانون، وأن جانباً لا بأس به من الهيبة لا بد أن يرتبط بالتأديب، تأديب هذا الشباب الذى انغمس فى السياسة بشكل واضح منذ ثورة 25 يناير.

وتقديرى أن هذا الشباب ضحية فى الأول والآخر. فعلى مدى سنين طويلة أغرق نظام «مبارك» الأجيال الشابة فى الكرة، ليلهيهم عن السياسة، يكفى أن أشير إلى نموذج صارخ على ذلك بما حدث عام 2006، عندما غرق أكثر من 1300 مصرى فى عبارة «السلام 98»، وطرمخ النظام الذى كان يقوده «المخلوع» على الأمر بحضور نهائى كأس الأمم الأفريقية الذى أقيم بالقاهرة فى اليوم نفسه. كانت الكرة هى الوسيلة الأنجح لإلهاء الشباب عن السياسة، وما يجعل الإنسان يستغرب حقاً هو مراجعة ما كان يردده الذين منحوا من يهمه الأمر تصريحاً بالقتل عن سلبية الشباب وعزوفه عن المشاركة السياسية، وعندما بدأ الشباب يشارك ويثور ويتحرك حرضوا على قتله، دفاعاً عن هيبة الدولة العجوز!

يلوم المحرضون هذا الشباب لأنه لا يسمع ولا يحترم ولا يرضخ لقيادة الكبار، رغم أنهم لا يمنحونه لساناً ولا أذناً، ولا عقلاً قادراً على الإفهام والاستيعاب، ولا يقدمون له قدوة حسنة تجعله يسلم لهم كقادة. هذا الشباب لم يجد من يسمعه بين الكبار، فأخذ يستمع لبعضه البعض، لم يجد من يحترمه من الكبار، فبادل بعضه بعضاً الاحترام، وارتضى بأن يقود نفسه. هذا الشباب -ببساطة- خلق مؤسسته الخاصة، بعد أن يئس من المؤسسات الاجتماعية التقليدية، سواء الأسرة أو المدرسة أو الجامعة أو مؤسسات الدولة ذاتها. ماذا كنا ننتظر منهم وهم يعيشون حالة قاتلة من الفراغ على كل المستويات؟ اجتهدوا فى شغلها بالرياضة التى حرضتهم عليها الدولة، كى تشترى دماغها، مثلها مثل الأب أو الأم اللذين يريدان صرف الأبناء عنهما بأية طريقة حتى يخلوا إلى اهتماماتهما الخاصة، وعندما أراد هذا الشباب أن ينشغل بقضايا بلده ومستقبله حرّضوا على قتله.

الآن يبحث المحرضون عن أى دليل ينفى شبهة المشاركة فى إراقة هذه الدماء، مرة بإلقاء تهمة المذبحة على الإخوان، أو على حركة 6 أبريل، أو الإهمال، أو التدافع، أو التذاكر.. «الأوأوات» كثيرة.. حسناً، علقوا الطوق فى رقبة أى قط تشاءون، لكن عليكم الالتفات إلى أنكم تخربون وتدمرون، لأن الدم بيجيب «دم»، مثله مثل «الفلوس»! والدم لعنة. من الصعوبة بمكان أن تتمكن أمة من قهر شبابها، لكن الشباب قادر على قهر الجميع، وأخشى أن يسوقه فقد الثقة فى وجود العدل داخل هذا المجتمع، بناء على خبرته بالواقع خلال السنوات الأربع الماضية، إلى اكتساح «هيبة» الجميع.. و«لتعلمن نبأه بعد حين».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف