الوطن
د. محمود خليل
الرئيس .. والنواب .. والدستور
كان موضوع «تعديل الدستور» أول الموضوعات التى طُرحت بمجرد فوز الرئيس السيسى بالانتخابات، وقد أثارته مجموعة من الإعلاميين المعروفين بولائهم للنظام الرئاسى الذى يعمل على تركيز السلطات فى يد رئيس الجمهورية. وقتها كتبت محذراً من طرح هذا الموضوع، مستنداً إلى اعتبارات عديدة، كان أهمها أن دستور 2014 يعد واحداً من أبرز مكاسب 30 يونيو، وأنه الوثيقة التى تسلم الرئيس الحكم على أساسها، وأقسم على الحفاظ عليها وحمايتها. تم غلق الموضوع بعد ذلك لمدة تقترب من العام ونصف العام حتى فتحه الرئيس بنفسه من جديد فى حديث «النيات الحسنة» خلال لقائه مع شباب الجامعات.

يقول المدافعون عن هذا الأمر إن الدستور بشكله الحالى يعرقل الرئيس عن تنفيذ برنامجه، ورغم أن كثيراً ممن يتبنون هذا الطرح لم يبينوا لنا المقصود ببرنامج الرئيس، إلا أننى سأترك هذا الموضوع، وأقول لك إن مجلس النواب هو أول جهة تقفز إلى الذهن عند إثارة هذا الكلام، فهو المؤسسة الوحيدة التى منحها الدستور مجموعة من الصلاحيات التى تمكنها من الاختلاف مع الرئيس، وتيسر لأعضائه التحفظ على أو رفض بعض القوانين التى يرى الرئيس أنها ستساعد فى إنجاز برنامجه، أضف إلى ذلك أن مجلس النواب -طبقاً لدستور 2014- يعد شريكاً حقيقياً للرئيس فى اختيار وتشكيل الحكومة.

جوهر فكرة تعديل الدستور يرتبط بمجلس النواب، وقد كان من اللافت أن يربط الرئيس فى حديثه مع شباب الجامعات ما بين هذين الأمرين، ويدعو البرلمان المقبل إلى التعامل مع الموضوع، وهو أمر يثير الاستغراب حقيقة، فالمفترض أن مجلس الشعب طرف حقيقى من أطراف السلطة والحكم فى مصر، طبقاً لما منحه له دستور 2014 من صلاحيات، فهل من المعقول أو الطبيعى أن تتنازل جهة تمتلك سلطة عما تمتلكه بهذا القدر من الأريحية والبساطة؟!. أظن أن ذلك لن يحدث إلا إذا كانت لا ترى فى نفسها الأهلية للنهوض بصناعة القرار، الأمر الذى يبرر لها التنازل عما تملكه من سلطة للرئيس، وإذا كان ذلك كذلك، وكان المجلس هيناً ليناً، وسوف يوافق على ما يريده الرئيس على هذا النحو، فما الداعى لتغيير الدستور؟!.

الفرض البديل لما سبق أن تأتى الانتخابات بمجلس نواب قوى التركيبة، بشكل يمكّنه من لعب دور فى عرقلة برنامج الرئيس، وهو فرض لا يستقيم مع نوعية الأسماء التى نسمع عن ترشحها فى انتخابات من الواضح أنها ستدار على الطريقة المباركية، حيث يلعب المال السياسى الدور الأهم فيها، وبالتالى فمن الوارد جداً أن يشكل الحزب «المنحل» كتلة ذات حيثية بالمجلس، فهل هناك من يخشى أن تهدد هذه الكتلة برنامج الرئيس؟. ربما!، لكن يبقى أن افتراض أن هذه الكتلة تشكل مصدر تهديد لبرنامج الرئيس، يجعلنا نقلق على مصير الانتخابات الحالية، فوجود كتلة لا بأس بها من «المنحل» على خريطتها أصبح أمراً واقعاً، وهى لن ترضى بحال عن خلع قميص السلطة الممنوح لها عبر الدستور، ويعنى ذلك ببساطة أن الانتخابات أصبحت على المحك، بل وأصبحت موضوعاً لصراع، أتصور أنه بدأ يطل برأسه بقوة، بين الرئيس من ناحية، وكتلة النظام المباركى القديم من ناحية أخرى، وقد يستعر أواره أكثر خلال الأيام المقبلة!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف