الأهرام
محمد ابو الفضل
شبح «الإسلاميين» يهدد روسيا
يبدو أن التنظيمات الإسلامية المتشددة، التى انتعشت وانتشرت وتغولت خلال فترة الاحتلال السوفيتى لأفغانستان، قد يتم ضخ دماء جديدة فى عروقها قريبا، بعد أن خفت نجمها عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وتعود كمنغص فى الفناء الخلفى لروسيا، التى رمت بثقلها السياسى والعسكرى وراء دمشق أخيرا، لوضع حد للأزمة السورية الممتدة منذ نحو خمسة أعوام.
الحديث عن عودة التنظيمات الحركية للمنطقة القريبة من روسيا، لا يعنى أنها خالية حاليا من المتشددين، بل هناك جماعات، معلنة وكامنة، تتغذى على العنف، وتؤمن به كوسيلة للتغيير، موجودة فى عدد من دول الاتحاد السوفيتى السابق، مثل كازخستان وطاجكستان وأوزبكستان، فضلا عن الشيشان وأفغانستان وباكستان.
لكن الانشغال بها لم يعد أولوية عالمية، لذلك لم يتم تسليط الأضواء عليها، والتركيز على تنظيم »داعش«، وتصويره على أنه الشبح الذى يهدد الأمن والسلم الدوليين، كما كان الحال مع القاعدة التى تراجع دورها، لأن القوى التى صنعتها أرادت ذلك.

خلال الأيام الماضية عاد أيمن الظواهرى زعيم القاعدة، وطل علينا بتسجيل صوتي، تمت إذاعته على مرحلتين، ولا أحد يعرف بالضبط تاريخ تسجيله، لأنه حوى إشارة تفيد بأن المللا عمر زعيم طالبان على قيد الحياة، بينما جرى نعيه رسميا قبل أسابيع، وقيل إنه لقى حتفه منذ عامين، وتم التكتم على وفاته، المهم أن تسجيل الظواهري، المتناقض فى جزء كبير من مضمونه، ينطوى على إشارة بأن تنظيمه الذى تعرض للتآكل يعتزم العودة للعمل الإرهابى النوعي، ملمحا بعدم استبعاد التعاون بينه وداعش، التى سبق للظواهرى أن كال عليه التراب.

الظهور المفاجيء للظواهري، لم يأت توقيته من فراغ، ويؤكد أن تنظيم القاعدة لا يزال واحدا من الأدوات الأمريكية المستترة، التى جرى ويجرى استعمالها، كمعول هدم ضد بعض الدول، مثل غالبية تيارات الإسلام السياسى والمسلح، التى تستخدم حاليا لهذا الغرض، ولعل دور القاعدة وطالبان والحزمة الطويلة من المتطرفين، فى أفغانستان غنية عن الشرح، ودور جماعة الإخوان وتنظيم داعش فى منطقة الشرق الأوسط حاليا، يعززان اللجوء لهذه الورقة، فعندما تعجز أو ترفض واشنطن الدخول فى مواجهة مباشرة مع بعض الخصوم، تلجأ إلى تفعيلها، هكذا تشير تطورات المشهد الراهن فى سوريا.

دخول روسيا على خط الأزمة مباشرة قلب كثيرا من الحسابات الإقليمية والدولية، فانغماس موسكو فى الأوضاع المتسارعة فى سوريا، تجاوز الحدود السياسية والعسكرية العادية، ووصل إلى نقطة الوقوف خلف النظام بكل قوة، وأصبحت موسكو طرفا أصيلا، استطاع خلال فترة وجيزة أن يعدل دفة الأمور لصالح نظام الرئيس بشار الأسد، ومتوقع أن يجبر التيارات الإسلامية المتشددة، ومن يقف خلفها، على تغيير رؤيتهم، خاصة أن اللعبة القذرة التى يقوم بها تنظيم داعش بدأت تتكشف بعض خيوطها، الأمنية والسياسية والطائفية، الأمر الذى جذب لموسكو المزيد من المتحالفين، والتعامل مع ما يحدث فى سوريا، باعتباره من أنواع الإرهاب شديد الخطورة، وليس بحسبانه ثورة شعبية ضد النظام السوري.

انقلاب الطاولة بهذه الصورة، بمعنى إعادة الاعتبار للنظام السوري، وتوافق غالبية الأطراف حول التسوية السياسية، سيكون بمثابة هزيمة للقوى التى حاربت الرئيس بشار الأسد، وأبرزها الولايات المتحدة، نتائجها سوف تضعها أمام موقف حرج، لذلك تناور الآن بورقة اللاجئين، وتحاول توظيفها، لتحميل النظام السورى مسئولية المأساة الإنسانية، وصرف النظر عن المرجعية السياسية للتفاوض حول مصير سوريا، أى تجاهل مقررات جنيف 1، أملا فى تقليص الزخم الذى أحدثه التدخل الروسى الكبير فى الأزمة.

التحركات فى هذا الفضاء، ربما لا تكتمل دون البحث عن منغصات، توقف زحف القوى الذى يمثل حائط صد مع النظام السوري، وأهم قوتين حاليا، إيران وروسيا، وإذا كانت الأولى أوشكت على دخول المحرقة السياسية والاقتصادية لترتيبات الاتفاق النووي، بشكل يمكن أن يجبرها على التقليل من دعم دمشق، أو يفرض عليها الواقع تقديرات مختلفة، تضطرها إلى تغيير موقفها، فإنه لزاما عليها إيجاد مخرج مناسب للحد من تقدم الثانية فى المجال السوري.

ربما تكون التنظيمات المتشددة من أهم الأوراق التى يمكن استخدامها، حيث تمت تجربتها ونجحت فى أفغانستان، والآن فرص النجاح ليست هينة، فقد تجد روسيا نفسها بين كماشة، أحد طرفيها وجود قواتها فى سوريا، وهنا المواجهة مفتوحة على مسرح عمليات يتسم بالتعقيد والغموض، والآخر تسخين الجبهة الخلفية لها، وإطلاق الصافرة لبداية مباراة جديدة بين الإسلاميين المتطرفين وروسيا.

فى هذه الحالة، يكون الملعب مهيأ للمباراة المنتظرة، بعد فترة طويلة من الإعداد والتجهيز خارجه، لاسيما أن معظم الدول المحيطة بروسيا زاخرة بجماعات تكفيرية ومتشددة ومتخلفة، تتشوق للقتال، تحت شعارات إسلامية براقة وزائفة.

من هنا، يمكن تفسير رسالة الظواهرى الأخيرة، والتى حاول البعض ربط بثها بذكرى أحداث 11 سبتمبر، خاصة أنها حملت تهديدا للولايات المتحدة والغرب عموما، لكن هى فى الحقيقة ترمى إلى الإيحاء بأن تنظيم القاعدة موجود هناك فى أفغانستان، التى كانت أراضيها مستنقعا لموسكو، ومن غير المستبعد أن تلتف حوله جماعات أخرى، لاستئناف العمليات الإرهابية على نطاق واسع، لجذب الانتباه، ثم الترويج بأن شبح المتطرفين يطل برأسه من جديد، ويهدد إستراتيجية موسكو العالمية.

فى حالة نجاح خطة بوتين العربية، وتمكنه من الوصول لتسوية سياسية فى سوريا، سوف يواجه بروافد وبقايا وفلول المتشددين، الذين مرجح تسربهم ووصولهم لأماكن عدة، من بينها دول الاتحاد السوفيتى السابق، فكلنا يتذكر مصيرهم، بعد حرب أفغانستان والبوسنة والهرسك، حيث حصلوا على مساعدات من قوى دولية مختلفة، قامت بتهريبهم، جوا وبرا وبحرا، إلى دول كثيرة، وهو المصير نفسه الذى ينتظر عشرات الآلاف ممن قاتلوا فى سوريا، فقد تتغير التكتيكات، لكن سوف تظل الإستراتيجية الأمريكية واحدة، لذلك علينا الاستعداد لجولة من المواجهات بين موسكو والإسلاميين المتطرفين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف