عباس الطرابيلى
هموم مصرية .. عمارة.. تهزم النظام!
فى رأيى أن فساد المحليات، هو أخطر سوس ينخر فى جسد النظام المصرى.. ولن ينصلح حال مصر إلا إذا نسفنا هذا النظام من أساسه، والغريب أنه إذا كان نظام المحليات هو أساس تقدم النظام فى ألمانيا فإنه أساس تخريب الدولة المصرية، رغم أننا أخذنا نظام المحليات من.. ألمانيا!!. أقول ذلك وأمامى نموذج غير عادى هو أو هى عمارة القماشين بمنطقة المسلة بحى المطرية.
هذه العمارة يشدنى نموذجها.. فهى أقيمت على مساحة 1350 متراً.. يعنى مش بيت من طابق واحد أو طابقين وعلى مساحة 30 متراً حتى لا تراها أجهزة الدولة.. وهى ـ أيضاً ـ مكونة من 14 طابقاً.. وتضم 285 شقة.. يعنى عمارة «تخرق» عين الدولة، فكيف أقيمت كل هذه العمارة.. وهى بناها «سحرة فرعون» أم نام النظام على الأرض خالية، ثم استيقظ صباح اليوم التالى ليجد أمامه هذه العمارة، التى تسد عين الشمس؟!
<< هنا نسأل: أين أجهزة الدولة. من إدارات هندسية إلى فنية الى شرطية.. بل أين ملاك الأرض ـ وهم هنا ـ وزارة الأوقاف وهيئتها إذ أن من مساحتها 400 متر ملك لها.. بل وتمتد رقابة الدولة هنا الى وزارة الآثار بحكم طبيعة المنطقة.
مثلاً كيف امتلك من أقامها القوة والجرأة على أن يضم أرض الأوقاف الى ما جاورها.. ثم يحفر الأساسات ويدك الأرض ليقيم هذا البرج السكنى، الذى هو أكبر عمارة بالمنطقة دون أن يسأله أحد.
<< والمسئولية هنا تبدأ من حى المطرية.. هل ينعزل مسئولوه داخل مكاتبهم ولم يشاهدوا كل مراحل البناء، الذى على الأغلب استمرت هذه العملية أكثر من عام بداية من تمهيد الأرض الى بدء أعمال التشطيبات.. أم أن الحى ورجاله ـ وكل العاملين والعاملات فيه ـ «يتشطرون» ويشكرون عن أنيابهم أمام بائعة فجل تجلس فى حارة لتبيع ما يوفر لها رغيفاً بقطعة جبن؟.
هنا قد يقول كل رجال الحى ـ ونسائه ـ إنهم رأوا وشاهدوا وحرروا من المحاضر 15 محضراً وأصدروا 15 قراراً بإزالة هذه العمارة.. ولكن هل هذا هو كل ما يملكه الحى؟
<< ألا يشترط القانون أن يضع المقاول لافتة بواجهة العقار قبل أن يبدأ البناء يحدد الترخيص وعدد الطوابق واسم صاحبه ثم اسم المقاول.. فلماذا لم يتحرك الحى.. أم لأنهم فى «الحى» رأوا فيها فرصة للتربح وابتزاز المقاول أو صاحب العقار.. يقبضون منه، أو منهما معاً ـ عند كل زيارة.. ليمسكوا ألسنتهم ويغلقوا عيونهم.. وكم بالضبط يبلغ ما حصلوا عليه من هذا العقار وحده.. الذى يسد عين الشمس فى حى المطرية، حى عين شمس.. أو الشمس نفسها!!
<< وهل كل دور الحى أن يحرر المحاضر.. وأن يصدر قرار الإزالة.. ولماذا لم يصعد الحى هذا الوضع لكل مسئولى المحافظة.. وأين هى قوات أو سلطات تنفيذ الأحكام؟
هنا أرى مساءلة كل من رأى هذا المبنى يظهر فوق سطح الأرض ومن رآه يرتفع طابقاً فوق طابق.. كلهم بلا أى استثناء من مسئولى الحى الى أصغر عامل فيه.. لأن الكل منتفعون.. من الساعى إلى رئيس الحى.. وأيضاً ماذا فعلت هيئة الأوقاف، فيمن استولى على أرضها.. وماذا فعل نائب المحافظ ـ ان كان هناك نائب للمحافظ فى هذه المنطقة.. ولماذا صمتوا جميعاً.
<< وبعيداً عمن يتحمل ثمن الإزالة.. ما هو الموقف ممن اشترى شقق هذه العمارة.. وأخذوا يقومون بأعمال التشطيب.. وأغلب الظن أنهم رأوا ضخامة العمارة.. ولم يتصوروها مخالفة بل لم يصدقوا أن الدولة لن تجرؤ على إزالة عمارة بهذا الحجم.. أى هنا المسئولية مضاعفة.
وإذا كان القانون لا يحمى المغفلين.. فماذا فعلت السلطة لتضع مواد هذا القانون موضع التنفيذ.
<< هنا يجب أن نطبق مبدأ «من أين لك هذا» على كل العاملين بالمحليات: كبيرهم وصغيرهم.. حتى لا تتأكد مقولة أن هناك من يدفع خلو رجل من الموظفين لينتقل للعمل فى أحد هذه المحليات حيث الثروة والجاه. وألا ننتظر طويلاً حتى نتأكد من سلامة ثرواتهم خصوصاً أن الشعب على يقين من أن العاملين بالمحليات هم لب الفساد وهم أساسه.. ولا أعرف لماذا لم نتحرك حتى الآن لضرب فساد المحليات رغم أن روائحه تنتشر فى كل مكان.
<< إن عمارة القماشين المخالفة بمنطقة المسلة بحى المطرية هى النموذج الصارخ لهذا الفساد.. وهنا نسأل هل تحركت المحافظة وعلى رأسها الدكتور جلال سعيد محافظ القاهرة لأن مرتكب هذه الجريمة وضع يده على أرض ملك للدولة.. أم تحركت لأن البناء كله تم بدون الحصول على أى ترخيص.. ثم أليس حراماً أن نخسر ثمن الأسمنت والطوب والحديد وكل لوازم البناء، عندما نتحرك بالإزالة، بعد أن يكتمل البناء.. وماذا عن حقوق مشترى الشقق وهم 285 أسرة وقعوا ضحية المحتال.. وأيضاً ضحية إهمال مسئولى الحى وموظفيه.
<< فى رأيى أن محاربة الفساد تبدأ من هنا.. ولا تلوموا ثورة 25 يناير ولا 30 يونية بحجة الثورتين فهل امتنع مسئولو الحى عن صرف رواتبهم ـ من الخزانة العامة ـ أم استمروا يكنزون الأموال.. أموال الشعب من هذه الخزانة.
حاسبوا الكل.. واجمعوهم.. ثم كبلوهم ـ بعد إدانتهم ـ وضعوهم تحت البناء، وأنتم تزيلون هذه العمارة.. لتسقط فوق رؤوسهم.. أقصد رؤوس الفساد.