- حاول الكثير من المفكرين تحليل أسباب نشوب وتزايد العنف السياسى فى مصر خلال الأربع سنوات السابقة، ووفقاً لفرضيات مدرسة الديموجرافيا السياسية التى تسعى للربط بين المحددات السُّكانية (الديموجرافية) والسلوك السياسى، ومن ضمنه العنف السياسى، فإن هناك علاقة بين هيمنة المجموعات العمرية من الشباب على الهرم العمرى ونمو أعداد الشباب من خريجى الجامعات وارتفاع معدلات البطالة وبين العنف بكافة أشكاله وصوره.
- فقد بلغ عدد الشباب فى مصر (من سن 15 إلى 29 عاماً) خلال عام 2013 نحو 25 مليون نسمة، وذلك طبقاً لما ورد فى بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء المصرى فى أغسطس 2013، فالمجتمع فتىّ، نحو 54% من سكانه أقل من 24 عاماً، ما يجعل مصر دولة ترتفع فيها مخاطر العنف السياسى بحسب هنريك أوردال وجاك جولدستون، وفقاً لأوردال (Urdal) فإن تضخم فئة الشباب (Youth bulges) فى أحد البلدان يزيد من احتمالات فرص ودوافع العنف السياسى بنسبة 150%، خاصة إذا ترافقت ظاهرة تضخم الشباب بعدد من العوامل؛ منها ارتفاع نسبة البطالة، وسيطرة نظم شبه الديمقراطية، وتزايد نسبة الاعتمادية فى المجتمع (Dependency ratio)، واعتبر جاك جولدستون أن احتمالات العنف والتغيير السياسى ترتفع فى المجتمعات التى تمر بالمرحلة الثانية من التحول الديموجرافى (Demographic transition).
- ووفقاً لمدرسة الديموجرافيا السياسية فإن تضخم فئة الشباب يعنى هيمنة الفئة العمرية فى سن القتال على التركيبة السكانية، وبالتالى ارتفاع احتمالات العنف، وهنا يلاحظ أريك نيوماير أن الشباب الذكور يمثلون الكتلة الرئيسية من المشاركين فى عمليات العنف، وهى نفس وجهة النظر التى تبناها صموئيل هانتينجتون الخاصة بأن من يخرج ليقتل الآخرين هم الرجال فى العمر ما بين 16 و30 عاماً، ونجد أن حركات العنف السياسى فى مصر تمثل تطبيقاً واضحاً لهذه الفرضيات، حيث إن أغلبية المنخرطين فى عمليات العنف تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، وعلى صعيد التركيبة العمرية للشباب المنخرطين فى الحركات الشبابية التى تبنت العنف فإنها متطابقة؛ حيث إن عضوية روابط المشجعين (الألتراس) و6 أبريل وبلاك بلوك تنحصر فى الأعمار بين 15 و29 عاماً، وتُظهر بيانات الاشتباكات التى شهدت عنفاً سياسياً خلال الفترة من فبراير 2011 إلى يونيو 2013 أن نحو 80% من المصابين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 عاماً، ونحو 70% من الضحايا ينتمون لنفس الفئة العمرية.
- إن ارتفاع نسبة الشباب فى مصر وفر (الوقود) للحركات الشبابية خلال السنوات الأخيرة ورفع من احتمالية لجوء هذه الحركات للعنف فى ظل هيمنة (جيل القتل) على الفاعلين السياسيين، وعبرت هذه الوضعية عن نفسها فى تنافس الكتل السياسية المتصارعة على تجنيد وتعبئة أكبر عدد من الشباب، ويظهر هذا فى سعى الجماعات الدينية المتطرفة سواء من الإخوان أو مجموعات أبوإسماعيل إلى اختراق معظم تجمعات الألتراس.
- بحسب أوردال فإن هناك عوامل أخرى تزيد هذه المشكلة تعقيداً، منها: انتشار البطالة بين الشباب الحاصل على التعليم الجامعى والذى يدفع نحو الإحباط وشعور كتل ضخمة من الشباب المتعلم بالحرمان، ما يزيد احتمالات العنف، وهذا يفسر انخراط عدد كبير من الشباب المتعلم فى جماعات الإرهاب بصورة تتعارض مع فرضية عدد من المدارس الخاصة بدراسة الإرهاب فى الثمانينات والتسعينات حول وجود علاقة طردية بين انخفاض نسبة التعليم والعنف فى المجتمعات.
ووفقاً لبرينجار ليا فإن التوسع فى التعليم الجامعى بعدد من دول الشرق الأوسط قاد إلى تشكيل مجموعات ضخمة من الشباب المتعلم التى لم تنجح سوق العمل بهذه الدول فى استيعابهم، ما ساهم فى توفير بيئة مناسبة لتجنيد هؤلاء الشباب فى التنظيمات الراديكالية والعنيفة، وهى نفس الفرضية التى تبناها جولدستون، ويوضح هذه الفرضية ريتشارد برنجارت بالإشارة إلى أن البطالة فى أى مجتمع تُضعف شرعية واستقرار النظام السياسى وهذه الظروف تخلق المناخ المناسب للردكلة بين الشباب الذى لا يكون لديه ما يفقده فى المخاطرة للحصول على ما يظن أنه مكاسب ثورية، فارتفاع مستوى التعليم يزيد من الشعور بعدم الرضا، حيث يكون الشاب المتعلم أكثر طموحاً وتوقعاً للحصول على مستوى دخل أفضل، ما يزيد من حجم الفجوة بين التوقعات وواقع عدم الحصول على عمل، ويزيد من احتمال عدم الرضا وعدم الاستقرار والعنف.
- إن أعداداً ضخمة من الشباب خريجى الجامعات فى مصر تعانى من الإحباط بسبب تقلص فرص العمل وعدم القدرة على التأثير على العملية السياسية والنخبة الحاكمة، ما أدى إلى دخول هؤلاء الشباب فى حرب جيلية افتراضية (Generations clash)، ويظهر هذا المفهوم فى بيان أصدرته رابطة مشجعى نادى الزمالك القاهرى (وايت نايتس) التى أشارت فيه إلى أن دخولها فى صدامات هو تعبير عن معركة جيل بأكمله، إن هذه الحرب الجيلية المفترضة تحتم على الدولة ومؤسساتها المختلفة أن تجعل قضية الشباب وتمكينه، وعلاج المشاكل التى تواجهه، خاصة البطالة والتهميش وغيرهما، فى مقدمة الأولويات الاستراتيجية للدولة والمجتمع بكافة طوائفه حتى تتحول طاقة التدمير والهدم عند هؤلاء الشباب إلى طاقة بناء وتعمير.