صلاح الحفناوى
شريف إسماعيل و¢الغوغائية الفيسبوكية¢
ما حدث فور الإعلان عن تكليف المهندس شريف إسماعيل بتشكيل الحكومة.. ذكرني بمشهد عبثي لزعيم الخريف المصري وائل غنيم في ذروة أحداث حرق مصر بعد جمعة الغضب.. كان جالسا منتشيا كالطاووس وسط زمرة من مريديه وحوارييه.. يشاهد أحداث التخريب المنقولة علي الهواء مباشرة.. وبعد ابتسامة صفراء أنعم بها علي المريدين المنبهرين بحضوره الطاغي.. قال وهو يقضم قضمة مسعورة من ساندويتش هامبورجر عملاق.. فيما فتات ورذاذ يتناثر من فمه: من الان مصر سوف تحكم من الفيس بوك.. نحن من سيتحكم فيها ¢بالكي بورد¢.
ذهب وائل وبقيت نبوءة الشر.. ذهب عراب الخراب وترك الخراب وأدواته ووسائله.. ومن لا يصدق عليه أن يسترجع شريط الأحداث منذ الإعلان عن اختيار شريف إسماعيل لتشكيل كتيبة حكومية انتحارية في أشد مراحل تاريخ مصر صعوبة.. حتي انطلقت آلة التضليل الفيسبوكي تمزق الرجل وتتهمة باتهامات لم يحدث في التاريخ أن اجتمعت في شخص واحد.
قالوا عنه إنه رائد التطبيع واقرب شخص في مصر إلي إسرائيل حتي يكاد يكون نصف يهودي.. وأن شهادته هي التي برأت سامح فهمي وزير البترول الأسبق في قضية تصدير الغاز إلي إسرئيل وكأنه كان مطالبا بشهادة زور لكي يرضيهم.. قالوا إنه اخوانجي لأنه ¢مركب دقن¢.. وإنه شريك الإعلامي المزيف.. محمد فودة.. في الفساد.. وخلال دقائق كانت صور تجمع بينه وبين فودة تملأ فيس بوك وتويتر.
أخطر ما في الأمر هو أن الحملة المحمومة التي انطلقت فور صدور قرار التكليف لم يكن المستهدف منها شريف إسماعيل.. بل مؤسسة الرئاسة.. كانت محاولة مبرمجة ومدروسة للترويج لفكرة أن الرئيس آخر من يعلم وأنه لا يحكم قبضته علي مقاليد الأمور وأن مصادر المعلومات تضلله.. وبالتالي تصبح قراراته وخطواته موضع شك.. والدليل تورطه في تكليف ¢نصف يهودي واخوانجي وسلفي وشيوعي ورجل مبارك وعميل سامح فهمي وشريك فساد فودة¢.. وهي صفات لم تجتمع عبر التاريخ في غير شريف إسماعيل.. والغريب أن الرجل كان وزيرا للبترول منذ أيام حازم الببلاوي ولم يتهمه أحد بشيء.. وأن خطاياه وجرائمه المزعومة لم تظهر إلا عندما اصبح ¢مكلفا¢.
حرب الشائعات والتشكيك أصبحت خطرا حقيقيا لا يقل عن خطر الإرهاب الأمني.. وأخطر ما فيها أنها تستقطب أعدادا ممن ينساقون خلف قطيع التشكيك من باب الوجاهة الفيسبوكية.. لمجرد أن يثبت للأصدقاء والصديقات علي صفحته أنه يعرف وانه متابع وفاهم ¢الفولة¢.. لنجد أنفسنا أمام أعداد هائلة ممن يمكن أن نطلق عليهم وصف ¢كذابين الزفة¢.. تقاتل وتتحمس من أجل ما لا تعرف.
شخص يصف نفسه بالشيخ.. وتتصدر صورته علي صفحته بموقع فيس بوك زبيبة صلاة تحتل معظم جبهته.. اقسم أن شريف إسماعيل ¢فاسد الفاسدين وزعيم الفساد في العالم¢ هكذا بالنص.. ولأنه رجل دين فاضل تعكس ملامحه سماحة وملاحة.. تصورت أن لديه أدلة يقينية تجعله يطلق حكمه هذا بلا تردد أو خشية.. ولكنه قال دون أن يشعر بخجل أنه قرأ ذلك علي أحد المواقع.. فضيلة الشيخ قرأ وصدق وعمم واتهم وغلف اتهامه بمسحة ايمانية.. فتبعه العشرات ممن يصدقونه في مثال متكرر للغوغائية علي مواقع التواصل.
لو كان الامر بيدي لأغلقت مواقع التواصل الاجتماعي.. وبما أن الأمر ليس بيدي فليس أقل من التحذير من إرهاب هذه المواقع الذي أعتقد أنه السبب وراء عزوف الكثيرين من أصحاب الكفاءات عن العمل العام.