الأشد إيلاماً من العدوان الإسرائيلي الأخير علي المسجد الأقصي هو رد الفعل العربي علي هذا العدوان الذي جاء هزيلاً متخاذلاً.. لا ينصر شقيقاً مظلوماً ولا يردع عدواً ولا يرد هيبة بيت الله.
كالعادة.. اقتصر رد الفعل العربي علي الشجب والاستنكار ومطالبة إسرائيل بالتوقف عن الاستفزازات التي تثير الحمية الدينية.. ثم مطالبة المجتمع الدولي ومجلس الأمن بتحمل مسئولياته والتصدي للعدوان الإسرائيلي.
هذا بالضبط ما جاء في بيان اجتماع وزراء الخارجية العرب بمقر الجامعة العربية بعد ساعات قلائل من العدوان الإسرائيلي السافر الذي انتشرت صوره علي القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت.. وهي صور مريعة حقاً.. كفيلة بأن تثير الحمية الدينية.. ولكن أين هذه الحمية التي طال انتظارها.
في هذه الصور يقتحم جنود الاحتلال الصهيوني ساحة الصلاة في المسجد الأقصي.. ويضربون المرابطين والمرابطات المعتكفين فيه ليل نهار بالأقدام.. ثم يطلقون عليهم قنابل الغاز والرصاص المطاطي والرصاص الحي.. وهم يواجهون الموت ببسالة ليس لها نظير.. لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم غير الحجارة يلقونها علي المقتحمين الذين يقودهم وزير في الحكومة ومستوطنون من غلاة المتطرفين.
هؤلاء المرابطون والمرابطات سلاحهم الوحيد أمام هذا البطش الصهيوني هو صيحة التكبير.. الله أكبر.. الله أكبر.. يواجهون بها محاولات الصهاينة تطبيق خطط التقسيم الزماني والمكاني التي يريدون فرضها علي ثالث الحرمين الشريفين مثلما فعلوا من قبل مع الحرم الإبراهيمي في الخليل.. حيث جعلوا لأنفسهم جزءاً منه ووقتا يؤدون فيه شعائرهم المزيفة.. والعرب يعرفون هذه الخطط جيداً ويقدرون خطورتها.. لكن رد فعلهم البائس لم يحمل سوي الإحباط والخذلان.
هل كان بوسعهم أن يفعلوا شيئاً أو أشياء أكثر من الشجب والاستنكار وإلقاء المسئولية علي المجتمع الدولي ومجلس الأمن؟!
نعم بكل تأكيد.. كان بوسعهم أولاً أن يعلنوا في موقف جماعي وقف كافة أوجه التعاون الأمني والاقتصادي مع إسرائيل.. والتهديد بسحب السفراء وقطع العلاقات.. والإعلان الفوري عن دعم كامل للمرابطين في الأقصي ولكل من يقاوم مخططات إسرائيل.. ثم كان بوسعهم الدعوة إلي قمة عربية وقمة إسلامية طارئتين لانقاذ الأقصي بكل السبل.
كان واجباً أن ينتفض العرب جميعاً لمواجهة العدوان الإسرائيلي وأن يضطلعوا بواجباتهم ومسئولياتهم قبل أن يطلبوا من المجتمع الدولي أن يقوم بمسئولياته.. فالعالم لن يحترمنا إلا إذا احترمنا أنفسنا أولاً.. ولن ينصرنا إلا إذا نصرنا أنفسنا أولاً.
والمسجد الأقصي يستحق أن نفعل ذلك وأكثر.. يستحق أن نفديه بأرواحنا وأموالنا وأولادنا.. يستحق أن ننسي خلافاتنا الداخلية وأن نحشد كل الامكانيات لخوض معركة تحريره بعد أن أعلن الصهاينة عن خططهم لاحتلال المسجد من الساعة السابعة صباحاً وحتي الحادية عشرة كمرحلة أولي في التقسيم الزماني.
قد يقول قائل إن العرب منقسمون اليوم ومفككون.. وكل دولة عربية لديها ما يكفيها من مشاكلها الداخلية.. وهذا صحيح.. لكن حماية المسجد الأقصي يجب أن تسبق كل القضايا.. وأن يتجه إليها الجميع بنية صادقة وحمية دينية.. فلم يعد هناك مجال لمزايدات رخيصة وشعارات مزيفة.
وما يقال للعرب في هذه المحنة يقال للإخوة الفلسطينيين الذين تركوا قضية المقاومة وانخرطوا في صراع السلطة.. وأثبتوا أن إسرائيل كانت عبقرية في كل الخطط التي قدمتها لتفتيت صفوفهم.. وأهمها خطة "غزة وأريحا.. أولاً" واقامة سلطة وطنية مؤقتة.. فقد ألهتهم السلطة ـ للأسف ـ عن قضية وطنهم وثوابتها.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.