أجد صعوبة بالغة فى تأويل إيجابى لتصريح السيد الرئيس الذى قال فيه إن مواد كثيرة فى الدستور قد كتبت بحسن نية! فالتصريح يشير فى أفضل تفسيراته إلى قلة خبرة ونضج أعضاء لجنة الخمسين وعدم جدارتهم فأنتجوا لنا دستوراً معيباً لا يصلح لإدارة البلاد حسب بقية التصريح أن البلاد لا تحكم بالنوايا الحسنة، كما أن كل من صوتوا بنعم والنساء اللواتى رقصن أمام اللجان صاروا كذلك من نفس النوعية، ويعطى التصريح لصالح جماعة الإخوان مجاناً وبأثر رجعى نقطة فى طعنها ضد الدستور وضد من كتبوه بعدما شكك فيه الرئيس الذى أقسم على احترامه وتنفيذ مواده.
التصريح زاد فى القلق وعمق من الشك، فالرئيس لم يحدد بوضوح المواد (الكثيرة حسب قوله) فى الدستور التى لا تصلح لإدارة البلاد أو تعوق حكمها، هل هى مواد تتعلق بالعمل والنمو والإنتاج الاقتصادى ومحاربة الفساد؟ أم أنها مواد تزيد فى معدلات البطالة والفقر والأمية والإرهاب؟ أم أنها مواد تتعلق بالظلم الاجتماعى وتعيق إقامة العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين التى كانت أحد المطالب التى رفعها الشعب فى 25 يناير.
عدم التحديد يرجح أنها لا تتعلق بالمشكلات الموضوعية بل بالاختصاصات والشخصنة. ما هو الأمر الضرورى الضاغط الذى دعا الرئيس إلى الإشارة بتعديل مواد كثيرة فى الدستور أياً كان وصفها؟
إن القوانين التى عفى عليها الزمن سواء فى موضوعها أو فلسفتها وثبت أنها تعوق مصالح وحريات وطموحات الناس لا تتعدل ورغم مطالبات الناس، بينما يستبق الرئيس الجميع ودون طلب شعبى أو نخبوى لتعديل دستور لم يمض عليه عامان ولأسباب لم يعلنها صراحة وإنما أبدى مخاوفه فيما يتعلق بالبرلمان الذى له سلطات لا تنازع سلطات الرئيس كما يشاع وإنما وكما هو معمول به فى بلاد كثيرة جداً تراقب أداءه، وهذا فى رأيى هو جوهر ما يطالب به الرئيس فالبرلمان حسب تصريحه إعاقة أو خير، ومفهوم بالطبع إعاقة لمن؟ وهو يطلب برلماناً موحداً (اتوحدوا مرة فى البرلمان ده) كما امتدح إعلام عبدالناصر الموحد.
إذا راجعنا مسألة البرلمان كاستحقاق فى خارطة الطريق لوجدنا عبثاً، إذ تم تأخيره عما كان مقرراً بدعاوى مختلفة، واستبقته الانتخابات الرئاسية على عكس ما أتفق عليه فى 30 يونيو، ثم تم تأجيل هذا الاستحقاق مراراً فى ظل سيل منهمر من قرارات جمهورية بقوانين لا يوجد مبرر حتمى ولا عاجل لإصدارها فى ظل غياب ممثلين منتخبين عن الشعب، ثم تمت صياغات بطرق تؤدى إلى تأجيل البرلمان لتبرير إصدار قرار جمهورى من الرئيس السيسى بقانون أواخر يوليو (بعدما اتضحت وتفصلت ملامح البرلمان المقبل) يلغى إلزام المحكمة الدستورية العليا حسب قانون أصدره الرئيس منصور بالفصل السريع فى القضايا التى تتعلق بالانتخابات النيابية خلال 5 أيام من تاريخ أول جلسة أو خلال 23 يوماً من تاريخ رفع الدعوى وبذلك تحررت المحكمة من ضغط المواعيد ما يجعلها تصدر حكمها فى أى وقت تشاء سواء كان ذلك أثناء الانتخابات أو بعد تشكيل مجلس النواب بسنين فى إعادة وتمثل لنظام مبارك، وما يفتح الباب لأن يبقى بالبرلمان أعضاء أو مجلس مطعون فى شرعيته بناء على قوانين بشبهة غير دستورية بينما هم يسنون لنا القوانين ويراقبون أعمال الرئيس والوزراء!
إضافة لهذا التعديل فقد صيغت قبله قوانين انتخابات النواب بطريقة سلطوية منفردة لم يُؤخذ فيها أبداً برأى لتيارات سياسية صرخت كثيراً من عدم مناسبة هذه القوانين لصياغة حياة سياسية سليمة وتهدم الأساس الدستورى بإقامة النظام السياسى على نظام الأحزاب
ورغم تلك القوانين المُفصلة والحصار المبكر للبرلمان، فقد بدأ السعى لنزع اختصاصاته فى الدستور ويقول الرئيس السيسى إن البرلمان المقبل قد يكون عائقاً ويطعن فى الدستور ومن كتبوا الدستور فى سبيل لتعديله.
ماذا يريد الرئيس بالضبط وبوضوح؟