تغيير الوزارة يعد قراراً سياسياً يخرج من إدارة سياسية واثقة من نفسها وتمتلك يقظة ورؤية واضحة للصورة على الأرض.
وهذا القرار بالشكل والكيفية والتوقيت يؤكد أن مصر حدث بها تغيير جذرى فى أداء الإرادة السياسية، فقضية وزارة الزراعة أحد الأسباب التى أطاحت بالوزارة وكان يمكن أن يترتب عليها، وهذا طبيعياً، عقاب المتورطين بالإقالة أو بالمحاكمات الجنائية، لكن هذه القضية فى حد ذاتها هى الأولى التى يتم فيها كشف فساد بهذا الشكل من داخل الحكومة وتعلن للرأى العام.
فى الأحوال العادية التى عشناها على مدى سنوات طويلة كان اكتشاف الفساد يترتب عليه خروج المسئول فى أقرب تعديل وتكون المعلومات المتعلقة بالقضية هى النزر اليسير وربما لا تعلن وتبقى فى دائرة مغلقة وضيقة عند صانع القرار ولكن الآن التغيير فى الأداء والتنفيذ مختلف تماماً وبالمناسبة حدث بالفعل مع وسيط الرشوة فى هذه القضية أنه كان موجوداً فى قضية فساد شهيرة سابقة فى عصر مبارك، وكان يلعب نفس الدور وكان هناك محافظ تمت إدانته ووزير كانت لديه مسئولية سياسية بشكل أو بآخر وظل فى منصبه.
الغريب أن هناك آراء على خلفية هذه القضية، نتساءل كيف بشخص فاسد يطيح بحكومة كاملة، ويعتبر أن الإطاحة بالحكومة هى الفضيحة وتلك ازدواجية مرعبة، فنحن نشتكى من الفساد الذى يتم التستر عليه وعندما يكشف عنه نتساءل لماذا هذه الفضيحة نحن نتغافل عن أسئلة كانت الصحافة والمعارضة تتحدث عنها، لماذا لا نمتلك شفافية كما يحدث فى العالم، فهناك حكومات تقدم استقالته على خلفية قضايا فساد أو إهمال، وهناك وزراء يقفون فى قفص الاتهام السياسى والجنائى، إذن لا بد أن تكون هناك قاعدة ترسخ أن الفساد هو الفساد ولا يجب أن يتردد أن إقالة الحكومة بهذه الطريقة ليست لائقة، والمؤكد أن هذا الكلام يقال فى إطار التشفى فى الحكومة، واعتبار أن القرار السياسى هنا كان مبالغاً فيه وهذا غير حقيقى، فإذا اعتبرنا أن هذه القضية هى أحد الأسباب، فإن إقالة الحكومة أو قبول استقالتها يؤكدان أن الحرب على الفساد وراءها إرادة حقيقية وأنها ليست حالة فردية، وهذا ما يدعو للاطمئنان بعد معاناة على مدى عقود طويلة كانت تؤكد أن الكلام ضد الفساد مجرد كلام فى كلام وشعارات جوفاء، وما يحدث على أرض الواقع يخالفه تماماً، فالفساد تفتح له الأبواب أو يتم التستر عليه.
ويحسب للإرادة السياسية جرأة التوقيت، فبعيداً عن قضية فساد وزارة الزراعة تبقى رسالة أن قرار التغيير من الممكن اتخاذه فى أى وقت طالما كانت هناك ضرورة دون النظر إلى الحسابات الأخرى التى تؤدى إلى ميوعة المواقف، فالحسبة أن هناك انتخابات والتغيير سوف يؤدى للارتباك والحسبة الأخرى أن الحكومة الجديدة سيكون عمرها ثلاثة أشهر، فكان يمكن تحملها ولكن القرار السياسى لم يعبأ بهذه الحسابات وهذا يؤكد أن الرئيس لديه خط واضح وهو الاستجابة السريعة والحاسمة فى الأزمات والمواقف الصعبة والأهم أن مواقفه خالية من مرض العناد وتبلد القرار السياسى والذى يتسبب فى كوارث طوال حكم مبارك، فهو يتخذ القرار فى اللحظة المناسبة أو سابقاً بخطوة وكنا قبل ذلك نعانى من تأخر القرار الذى يأتى بلا جدوى أو يسبب كارثة.
ارتباك الحكومة سياسياً أدخلها وأدخل البلد فى بدايات أزمات كان يمكن تفاقمها، فهناك ضعف فى الأداء على مستوى الإنجاز وارتباك التصريحات وتضاربها بين المسئولين.
الحكومة أوجدت بؤراً مفتوحة تؤكد أنها لا تمتلك أخرى أو أسلوبها سياسى فى التعامل معها كأزمة، ومن الأشياء التى تدعو لاحترام قرار طلب الاستقالة أنه اقترن بالموضوعية، فقد كانت هناك إشارة واضحة من رئيس الجمهورية بالمجهود الكبير الذى بذل على الأرض فى توقيت صعب واقترن بتقدير موضوعى وصادق لشخص رئيس الوزراء ذاته، وأن دوره لا ينتهى من العمل العام وهذا من الأدبيات الجديدة التى يجب أن تسود وتحترم فى مصر الجديدة ونتجاوز عن شريعة أن من خرج لا بد أن يكون نصيبه النفى الأدبى أو منصب شرفى.
إبراهيم محلب أثبت أنه شخصية وطنية لديه الإخلاص والمجهود قدرة على العطاء، ونحن نحتاج إلى هذا النموذج للاستمرار فى العمل العام.
لنتخلَّ عن طريقة النفى والإزاحة لكل من ترك منصبه، لأنها أخلاق غير رفيعة.
فى الخارج هناك تداول للمناصب والسلطة، ونرى وزراء يخرجون ويعودون فى ظروف أخرى طبقاً لطبيعة المرحلة، فخروج المسئول لا يعنى أنه أصبح شخصاً فاشلاً أو فاسداً، وأنه أصبح منتهى الصلاحية.