الأهرام
عبد الغفار شكر
نعـم نستطيـع
تمر الأمة العربية بأسوأ مرحلة فى تاريخها حيث انهار التضامن العربى الشعبى وتفككت العديد من الأنظمة العربية وتشهد بعض دولها اقتتالا داخليا يكاد
يكون حربا أهلية بالمعنى الحقيقى للكلمة ويتم ذلك كله فى إطار انهيار قدرة النظم العربية على مواجهة الهيمنة الأجنبية وتغلغلها فى شتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية. ورغم أن الكثيرين قد استسلموا لهذه الأوضاع فإنه من واجب القوى العربية الواعية بمسئوليتها أن تبادر للتخطيط لمرحلة جديدة من النضال الشعبى العربى استنادا إلى خبرات الشعوب العربية فى النصف الثانى من القرن العشرين فى مواجهة قوى الرأسمالية العالمية ويمكن من خلال استشراف الخبرة الشعبية العربية فى مواجهة الهيمنة الأجنبية أن تستنهض الهمم فى أكثر من بلد عربى وتؤسس من جديد لمرحلة من المواجهة الفعالة ضد التدخلات الأجنبية، وفى الوقت نفسه النضال من أجل الحيلولة دون انهيار النظم العربية وأن تستعيد الفاعلية للقوى الشعبية العربية فى كل قطر وعلى المستوى العربى.

فهناك على المستوى الشعبى نماذج عديدة ناجحة للتضامن العربى من أهمها قرار الاتحاد الدولى للعمال العرب عام 1957 بمقاطعة السفن والطائرات الأمريكية فى الموانئ والمطارات العربية رداً على قرار عمال ميناء نيويورك عدم تفريغ شحنة السفينة المصرية كليوباترا مما أدى إلى تحرك فورى للحكومة الأمريكية لتفريغ السفينة. كما قام الفدائيون العرب بنسف أنابيب البترول عقب العدوان الثلاثى على مصر سنة 1956. ونظمت المقاطعة الشعبية للمنتجات الإسرائيلية بنجاح منذ قيام إسرائيل، ومن اللافت للنظر أن هذه المقاطعة الناجحة والشاملة استمرت أكثر من خمسين سنة. وقد نجحت الحركة الشعبية فى مصر فى استمرار هذه المقاطعة رغم توقيع الحكومة المصرية معاهدة الصلح مع إسرائيل سنة 1979 وإنهاء المقاطعة رسمياً ونجحت الحركة الشعبية فى الضغط على الحكومة المصرية فى هذا الصدد فانخفض التطبيع الرسمى إلى مستويات دنيا أدت إلى وصفه فى إسرائيل بالسلام البارد، وقاطع المصريون كل ما هو إسرائيلى كما قاطعوا السياح الإسرائيليين والسفارة الإسرائيلية. ورغم أن الكثير من الأقطار العربية لم تعد تلتزم بالمقاطعة واتجهت إلى إنشاء علاقات تجارية مع إسرائيل فإن الشعوب العربية ما زالت متمسكة بالمقاطعة وقادرة على استمرارها، وتشكلت فى مصر مبكراً اللجان الشعبية لمقاطعة البضائع الإسرائيلية والبضائع الأمريكية، كما تشكلت اللجان الشعبية لمساندة الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، وتم تعميم هذه الصيغة فى أقطار عربية أخري، وهناك الآن تنسيق بين هذه اللجان على الصعيد العربى يتم من خلاله تبادل الخبرات. وقد تنوعت أشكال التضامن الشعبى العربى حول قضايا عديدة خلال النصف الثانى من القرن العشرين من أهمها مساندة النضال التحررى لشعب الجزائر وجنوب اليمن، وكانت آخر مظاهر هذا التضامن الشعبى الناجح التضامن مع شعب العراق ضد الاحتلال الأمريكى ومن أهم مظاهر هذا التضامن مؤتمر القاهرة الأول للتضامن مع شعبى العراق وفلسطين الذى عقد فى ديسمبر 2002 وحضره وفود شعبية من كل الدول العربية ومن كثير من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوروبية وصدرت من المؤتمر الدعوة إلى تنظيم مظاهرات فى كل دول العالم ضد التهديد بغزو العراق، ونظمت هذه المظاهرات بالفعل تحت قيادة المشاركين فى المؤتمر وبمشاركة ملايين المواطنين، وصدرت من مؤتمر القاهرة الثانى قرارات مهمة للتعبئة الشعبية على امتداد العالم ضد الاحتلال الأمريكى للعراق.

ومن الجدير بالذكر أن هذه التحركات الشعبية التى أسست للتضامن الشعبى العربى خلال هذه الفترة لعبت القوى التقدمية والقومية دوراً مهما فيها. ويمكن القول إن هذه التحركات الشعبية استمدت فاعليتها من مشاركة المنظمات الجماهيرية فيها كالنقابات العمالية والنقابات المهنية وما قامت به الأحزاب والتنظيمات السياسية من دور فى التعبئة والتخطيط، فلا يمكن قيام حركة شعبية ناجحة وفعالة بدون توجه سياسى سليم، وبدون فهم كامل لطبيعة المرحلة وصراعاتها وأطرافها، وبدون تحديد دقيق للأهداف المرجوة من هذه التحركات الشعبية.

نخلص من استعراضنا هذا للخبرة التاريخية للتضامن العربى ودروسه المستفادة أن التضامن الذى تحقق على المستوى الشعبى فى الماضى يمكن أن يتكرر مرة أخرى إذا توافرت الشروط الكفيلة باستنهاض حركة الجماهير للتضامن معاًَ فى مواجهة التحديات والمخاطر الخارجية وسعى القوى الكبرى للسيطرة والهيمنة على مقدرات الأمة العربية وفى مقدمة الشروط الضرورية لاستعادة التضامن العربى الشعبى كأساس لاستعادة التضامن الحكومى العربي:-

1- وجود قوى سياسية واعية بطبيعة المرحلة وصراعاتها وقادرة على صياغة استراتيجية سليمة للمواجهة والمقاومة.

2- وجود منظمات جماهيرية تضم فى إطارها قطاعات واسعة من الجماهير كالنقابات العمالية والنقابات المهنية والتنظيمات الفلاحية والطلابية والنسائية.

3- توافر قدر كاف من الوعى فى صفوف الجماهير بالمخاطر والتحديات الخارجية ومدى ما يمكن أن تلحقه بمصالحها من أضرار وضرورة مواجهتها دفاعاً عن المصالح الشعبية واستقلال الشعوب العربية.

4- توافر درجة عالية من التنسيق بين القوى السياسية والشعبية العربية بما يمكن من تبادل الخبرة بينها والاتفاق على رؤية متكاملة لطبيعة المرحلة وصراعاتها وأطراف الصراع والتحديات الخارجية وكيفية مواجهتها.

5- صياغة استراتيجية شاملة للمواجهة فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية.

عندما تتوافر هذه الشروط يصبح بالإمكان استنهاض حركة الجماهير للمواجهة الفعالة ضد الهيمنة الأجنبية وتقوم الحركة الشعبية العربية بدورها المنشود فى هذه المواجهة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف