وائل لطفى
"حتى لا نترك الإسلام ل "داعش
*خطأ كبير أن نقول إن داعش تستند لوقائع من التاريخ الإسلامى وكأننا نمنح شرعية لما تفعل
*الممارسات غير الإنسانية فى القتل ترتبط بالعصور الوسطى وليس بدين معين
*محاكم التفتيش كانت تحكم على المتهمين بالموت حرقًا فهل كان أبوبكر الصديق عضوًا بها
*القتل بالعصر و«الخوزقة» والتوسيط كلها طرق غير آدمية للقتل عرفتها البشرية فى القرون الوسطى والإسلام ليس له علاقة
إلى جانب الحزن والألم اللذين أثارهما فيديو إعدام الشهيد الأردنى معاذ الكساسبة وإلى جانب الرغبة المشروعة للمجتمع الأردنى وللدولة الأردنية بالثأر يبقى الأثر الأكبر للفيديو اللاإنسانى وهو المعركة التى أثارها بين المسلمين أنفسهم فقد عرض التنظيم الإجرامى على الشاشة فتوى لابن تيمية ظهرت على الشاشة يقول نصها (فأما إذا كان فى التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع).
والمعنى هنا أن داعش استندت فى حرق الشهيد الكساسبة حيًا إلى سند شرعى يتمثل فى فتوى ابن تيمية.. وقد دفع هذا عددًا من الإعلاميين الداعين لإصلاح الخطاب الدينى إلى القول بأن ما تقوم به داعش له سند فى الفكر الإسلامى، وكان أن قال إعلامى كبير ومعروف: (إن داعش تستند فى ارتكاب هذه الجرائم على مناهج وتفسيرات لآيات وأحاديث نبوية موجودة بالفعل، حيث قام أبوبكر الصديق رضى الله عنه بحرق الفجاءة السلمى حيًا، وبالتأكيد فإن داعش استندت إلى هذه الواقعة فى حرق الطيار الأردنى).
وأضاف الكاتب والإعلامى الكبير أن كل الأسانيد التى قدمها داعش موجودة فى كتب التراث، وأشار الإعلامى الكبير إلى عدم استطاعة أى جهة رسمية انتقاد الخليفة أبوبكر الصديق رغم تداول روايات تشير لندمه على هذا الفعل واعتذاره عنه.
وإلى جانب هذا انبرى عدد من نشطاء الفيس بوك من اللادينيين أو محاربى التطرف فى استدعاء وقائع مشابهة من التاريخ تم فيها التخلص من عدد من أعداء الإسلام بطريقة الاغتيال الفردى، والحقيقة أن هذا المنهج ينطوى على مغالطة كبيرة ويقول إن داعش تعبر عن صحيح الإسلام، وأن علينا إذا أردنا مقاومة داعش أن نقاوم الإسلام نفسه! وفى ظنى أن هذا ينطوى على مغالطة كبيرة، فضلًا عن أنه يمنح داعش مشروعية لم تكن تحلم بها.
لقد كان من اللافت للنظر أن ينسب الكاتب البريطانى روبرت فيسك طريقة داعش فى القتل لجنكيزخان القائد المغولى وأن ننسبها نحن لأبوبكر الصديق أو للرسول (صلى الله عليه وسلم).
والحقيقة أن القتل بطريقة غير إنسانية أو التعذيب قبل الموت هى ممارسة ترتبط بالعصور الوسطى وبقرون الظلام قبل أن ترتبط بأى دين من الأديان، ولعل مراجعة كتب التاريخ تكشف أن محاكم التفتيش التى عرفتها أوروبا فى القرون الوسطى كانت تحكم على من تدينهم بالتعذيب حتى الموت بطرق تفوق فى بشاعتها طريقة الحرق حتى الموت، فضلًا عن أنها كانت تتضمنها.
وفى الوقت الذى كان المسلمون فيه يقودون تجربة حضارية فى الأندلس لم يكن فيها بالطبع أى من هذه الممارسات، كانت محاكم التفتيش تحكم على من تدينهم بالموت حرقًا أو بتقطيع الأطراف حتى الموت إلى آخر الطرق السادية فى التعذيب، وحتى لا أكون متجنيًا فلم يكن اتباع هذه الطرق فى العصور الوسطى مقصورًا على محاكم التفتيش الأوروبية بل عرفته المنطقة العربية والإسلامية أيضًا لكنه عندى مرتبط بالزمن ــ العصور الوسطى ــ وليس بالدين، حيث تسجل كتب التاريخ أن كاتبًا مثل عبدالله بن المقفع قطعت أطرافه وشويت على النار أمامه قبل أن يموت عقابًا له على تهمة الزندقة فى العصر العباسى.
فى حين تسجل كتب التاريخ العثمانى والمملوكى العديد من وقائع القتل بـ(التوسيط) أى قسمة الشخص المراد إعدامه إلى نصفين أو (الخوزقة) أى إجلاس الشخص المراد إعدامه على الخازوق الحديدى الذى يخترق جسده ليترك عدة أيام وهو يعانى حتى تفيض روحه إلى بارئها.
وما أريد أن أقوله هنا تحت بند أولًا أن الممارسات غير الإنسانية فى القتل مرتبطة بالزمن وليس بالدين، وأنها كانت ممارسات شائعة فى مختلف المجتمعات المسيحية والإسلامية وقتها، وأن العار الحقيقى هو فى العودة لهذه الممارسات غير الإنسانية التى تخلصت منها البشرية كما تخلصت من مئات الممارسات المرذولة عبر تطور العقل الإنسانى وبلوغه مرحلة الرشد.
> > >
وتبقى هنا النقطة الثانية والتى تتمثل فى الإجابة عن سؤال.. أى إسلام نريد؟ هل نريد إسلام الأندلس وابن رشد وابن حزم والمعتزلة الذين رفعوا شعار إعلاء العقل على النقل؟
أم نريد إسلام ابن تيمية وابن عبدالوهاب وابن القيم وغيرهم من الذين تستقى منهم داعش التبرير لفظائعها؟
أطرح هذا السؤال لأننا عندما نقول إن (الفكر) الإسلامى ليس بريئًا من توحش داعش فكأننا نسلم الإسلام لداعش ونضع الناس فى اختيار مستحيل بين أن يقبلوا ممارسات داعش على أنها هى الإسلام.. أو يرفضوا ممارسات داعش ويرفضوا معها الإسلام، وهو اختيار مستحيل كما نرى جميعًا، فى حين أن الحل أن نستدعى تيارات الاستنارة وهى موجودة فى (الفكر) الإسلامى أيضًا، وإن كان قد تم تهميشها على مدار التاريخ الإسلامى لأسباب لها علاقة بالصراع على السلطة وخدمة التيارات المتطرفة لصالح السلطة على مدار قرون لعلها مستمرة فى بعض الدول حتى الآن.
> > >
وعلى هامش هذه القضية المهمة التى أثارها فيديو إحراق (الكساسبة) تبقى عدة ملاحظات شكلية على شريط الفيديو الذى حذفه موقع يوتيوب، وأستبق هذه الملاحظات لأقول إننا جميعًا مشغولون بإدانة داعش وبسب واستبشاع ممارساتها أكثر مما نحن مشغولون بدراستها وملاحظة تطورها.
لقد لفت نظرى التغير الذى طرأ على ملابس أعضاء التنظيم حيث ارتدى أعضاء التنظيم الذين ظهروا فى الفيديو ملابس الجنود النظاميين المموهة.. بعد أن كانوا يرتدون ملابس سوداء تنتمى للعصور الوسطى أكثر مما تنتمى للعصور الحديثة، والأكثر من هذا أن هذه الملابس بدت على درجة من الأناقة وبدا مرتدوها فى حالة من حسن الهندام تكشف عن سعة فى الوقت والأموال تتيح لهم الاعتناء بمثل هذه التفاصيل، وهو نفس ما ينطبق على ملابس المحكوم عليهم بالإعدام.
إن هذه الملاحظات من الممكن أن تجعلنا نتساءل عن جدية غارات التحالف الدولى ضد داعش، وما إذا كانت تمثل ضغطًا على التنظيم بالفعل رغم أن أحد المحللين الغربيين اعتبر الغارات بمثابة (إحداث ألف جرح صغير فى جسد شخص).
لا يمكننا إبعاد هذه الملاحظات عما أعلنته النيويورك تايمز لإيقاف الإمارات العربية المتحدة لمشاركة طياريها فى غارات التحالف لملاحظات تتعلق بأداء الولايات المتحدة وعدم قدرتها على تأمين الطيارين الذين يشاركون فى الغارات.
داعش لغز كبير.. لكن علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وبعض دول التحالف على الإرهاب لغز أكبر.