الصباح
سليمان جودة
المستشار أحمد الزند.. مصريته تغلب فى كل الأحوال
فى وقت سابق، كتبتُ عن رجال فى خارج مصر، كانوا أصحاب مواقف شجاعة، ومعلنة، ضد غباء الإخوان، وضد حماقة الإخوان، وضد بؤس تفكير الإخوان، طوال العام الذى كانوا فيه فى السلطة.
ولم يكن الدكتور عصام عبدالصمد، فى أوروبا، أول هؤلاء الرجال، ولا كان الأستاذ ماجد رياض، فى الولايات المتحدة، ولا كذلك الأستاذ محمود عبدالله، فى الولايات المتحدة أيضًا آخر هؤلاء الرجال، كان شركاء الثلاثة مجرد نماذج حية ومشرفة، على سبيل الحصر، لا المثال، وكان إلى جوارهم، بالقطع مصريون آخرون، كانوا ولا يزالون على ولاء مطلق لبلدهم، وبلدهم وحده، ولم يكونوا مستعدين لأن يساوموا، فى هذا الطريق، ولو بمقدار مليمتر واحد.
وأرجو أن يأتى يوم قريب، يُقال فيه للمصريين فى داخل البلد، ماذا فعل الدكتور عبدالصمد، مثلًا، من أجل وطنه، فى لندن، بشكل خاص، حيث يقيم، ثم بامتداد أوروبا، حيث يتحرك ويتنقل، ومعه وطنه فى الوسط من قلبه فى كل أحواله.. ثم أرجو أن يأتى يوم آخر قريب، يُقال فيه للمصريين جميعًا، ماذا قدم رجل مثل الأستاذ محمود عبدالله، رئيس الشركة القابضة للتأمين، قبل حكم الإخوان.. ماذا قدم لنا، بطول الولايات المتحدة وعرضها، وماذا قدم كذلك، الأستاذ ماجد رياض، فى كل مكان استطاع أن يصل إليه هناك.. فهؤلاء، وغيرهم مَمنْ يماثلونهم، قدموا ما قدموه لبلد كان فى حاجة إليهم، ولم يقدموا لسلطة قائمة، ولا لحكم على الكرسى، ولم ينتظروا فى الوقت نفسه، مقابلاً من أحد، عما قدموه، ولا يزالون يقدمونه، ولا أظن أن أحدًا منهم يمكن أن يخذل بلده فى أى يوم من الأيام.
فى المقابل، كان هناك رجال فى الداخل، لم يقصروا، وكانوا أصحاب مواقف شجاعة على أروع ما تكون الشجاعة فى مكانها، وكانوا على استعداد لبذل كل ما يمكن بذله، فى سبيل وطن لم يكن ليسكت أمام محاولات إخوانية مكشوفة للانقضاض عليه فى غفلة من أبنائه ومواطنيه.
كان فى الداخل رجال كبار، وشرفاء، وشجعان، وأظن أن المستشار أحمد الزند، كان فى طليعة هؤلاء الرجال، وأظن أنه عندما يأتى يوم لتوثيق ما كان من رجال كبار، فى تغول الجماعة، فى حق الوطن، فسوف يكون للمستشار الزند موقع خاص فى مثل هذا التوثيق.
وهو لم يكن يتخذ مواقفه الشهيرة، إلى جانب بلده، ضد الجماعة الإخوانية، كقاضٍ يجلس على منصة، ولكنه كان يتخذها كمصرى فى الأول، وفى الآخر، وكمواطن، فى المبتدأ وفى المنتهى، وكإنسان فى بدء الأمر، وفى آخره، ثم إن مصريته كانت غالبة فى كل حال.
لا أتحدث هنا عن القاضى الجليل أحمد الزند، ولكننى أتحدث عن الإنسان فيه، وعن المصرى فيه، فبمثل هذه المعانى، قاتل الرجل، فى كل يوم من عام الإخوان فى الحكم، وكان قتاله من أجل أن يبقى بلده حرًا، لا تهيمن عليه جماعة عاشت 80 عامًا بفكر منغلق، ثم من أجل أن يبقى بلده مرفوع الرأس، فلا يسيطر عليه تنظيم دولى يعمل لحساب جهات، ودول، ليس من بينها بكل أسف، جهة الدولة المصرية!
وإذا نسى أحد، فهل ننسى موقف المستشار الزند، فى معركة المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام وقتها، فى مواجهة رئيس إخوانى تصور أنه فى إمكانه أن يطوع موقع النائب العام، لصالح جماعته، وتصور أن اعتداءه على هذا الموقع الرفيع، بنقل صاحبه إلى خارجه، دون مسوغ من قانون، يمكن أن يمر فى هدوء، وفى سلام!
تصور الرئيس الإخوانى هذا، وأخذ تعليماته من جماعته، التى كانت تحكم فى المقطم، وتشير عليه بما يجب أن يتخذه، وكان هو يتخذ ما يجری إملاؤه عليه، دون وعى، ودون تفكير، ودون عقل، إلى الدرجة التى كان من فرط اضطرابه فى قراراته يتخذ القرار، أى قرار، فى الصباح، ويعود عنه فى المساء، بما جلب لموقع رئيس الجمهورية من الإساءة، ومن الإهانة، ما لم يلحقه به أحد من الرؤساء الذين تعاقبوا عليه من قبل!
يومها، وما كاد قرار نقل المستشار عبدالمجيد، سفيرًا فى الفاتيكان، يصدر حتى أقام المستشار الزند، الدنيا ولم يقعدها، وحتى اكتشف الرئيس الإخوانى، ومن وراءه جماعته، أنهم أمام أسد فى صورة إنسان فى نادى القضاة، اسمه أحمد الزند، وأنهم لا قدرة لهم على احتمال شجاعته، وأنهم أضعف من أن يقفوا فى طريقه، وأنهم لا بديل أمامهم، إلا أن يعودوا عن قرارهم، وقد عادوا فعلًا، وبقى المستشار محمود فى مكانه، وخرج المستشار الزند من المعركة فى مجملها، مستقرًا فى وجدان كل وطنى، ولسان حاله يقول، إن فى مصر رجالًا يزودون عنها فى الداخل، كما زاد عنها بالتوازى، رجال مثلهم فى الخارج، من نوع مَنْ ذكرت، فى أول هذه السطور.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف