لا ضير من هدم جزء من سور الجامعة الأمريكية سجل عليه شباب يناير صور وقصص شهدائهم. الجامعة قالت فى بيان لها إن قرار هدم مبنى سور مبنى العلوم الذى يحمل صور الشهداء جاء فى إطار خطة الدولة لتطوير ميدان التحرير، على أن يتم تحويله بعد ذلك إلى حديقة خضراء. لا بأس وليس ثمة داع لحزن البعض جراء هدم السور الذى سجل واحدة من ملاحم المصريين ضد دولة الاستبداد والفساد، فمحو الصور من فوق الأسوار لا يمحو حدثاً زلزل -ولم يزل- كيان المصريين جميعاً، وغيّرهم من حال إلى حال. وأخشى أن يكون كل من يظن أن إزالة السور يمكن أن يضير يناير فى شىء قد سقط فى دوائر الوهم والغفلة عن حقائق التاريخ.
هدم السور الذى يحمل صور شهداء يناير شاهد ودليل على أن هذه القوة ما زالت تعمل وتمارس تأثيرها على الواقع، لأنها ببساطة كانت ثورة شعب، والشعوب لا تموت، كانت لحظة واجه فيها المصريون أنفسهم بالحقيقة، وطرح كل فرد فيهم نفس السؤال الذى كان يردده غيره فى نفس اللحظة: إلى متى السكوت على هذا الواقع المرير؟. الإجابة كانت فى ميدان التحرير، عندما تراص المصريون فرادى وجماعات، رافعين أصواتهم بالمطالبة بالتغيير، علت الوجوه يومها ابتسامة غامضة أساسها فكرة كانت تتخاطر فى النفس، ملخصها: «لقد كنت أظن أننى وحدى الذى طرحت السؤال حول السكوت على الواقع المرير»، فإذا بكل من شارك فيه يدرك أن ثمة ملايين كانت تتشارك معه فى الأمر. من بين هؤلاء خرج شهداء «محمد محمود» فى كل موجات الثورة، شباب أحب التغيير حبه للحياة. صور هؤلاء كانت تزين السور الذى تم هدمه، رسمتها أصابع شباب مثلهم.. هل هدم صورة يهدم الفكرة؟.. هيهات!.
هدم السور الذى يحمل صور شهداء يناير دليل على أن ثمة خوفاً ما زال يتسكع فى عقول وقلوب البعض من الفكرة التى بلورها هذا الشباب خلال ثورتهم، لا أريد أن أقول إن الخوف بلغ مبلغه فوصل إلى صور لشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، لكننى أستطيع أن أقرر بضمير مستريح أنه الخوف من الفكرة، فكرة أن ملايين من أبناء هذا الشعب أدركوا أن عليهم أن يغيروا ما بأنفسهم إذا أرادوا أن يغيروا واقعهم. هل هناك فى هذا البلد من يرفض أن يتغير هذا الشعب؟، حتى لو وُجد من يرفض فإن تغيير النفوس والأفكار والرؤى لا يحول بينه وبين الفرد إلا نفسه، وليس فى مقدور أحد من خارجه أن يوقف عجلة التغيير الذاتى الذى قرره.
والمصريون اليوم مختلفون.. لا يستطيع أحد أن يفرض عليهم قانوناً يرفضونه، أو تغييراً لا يرضون عنه، أو أوضاعاً يرونها غير مناسبة لهم، ولا يغرنك تلك المحاولات التى يجتهد البعض من خلالها فى إعادة عجلة الحياة إلى الوراء، لأن المصريين تغيروا، ومن لا يدرك ذلك اليوم سوف يدركه غداً. الثورة ما زالت تعمل وليس أدل على ذلك من هدم السور الذى يحمل نجوم «يناير» الحقيقيين (نجوم الفكرة)، وليس النجوم المصنوعين!.