لقد أدت أمس بعون الله وفضله ورعايته وإحسانه وكرمه الحكومة المرتقبة بعد عشرة أيام اليمين الدستورية، وقد لفت انتباهنا جميعاً أننا مازلنا فى حكومة المهندس إبراهيم محلب، ما الفرق بين حكومة «محلب» بدون «محلب» وحكومة «محلب» فى وجود «محلب»، من حيث الشكل فحكومة شريف إسماعيل هى حكومة «محلب»، ومن حيث الجوهر هى حكومة غاب عنها إبراهيم محلب، وهذا الفرق قد نلحظه خلال الأيام القادمة عندما تعود الحكومة إلى مكاتبها المكيفة تنظر كالعادة لمشاكل المواطنين من خلال النوافذ.
الملاحظات التى قد تؤخذ على وزارة «محلب» بدون «محلب» كثيرة، ويمكن إيجاز بعضها فى ان بعض الشخصيات التى تمت الاستعانة بها، سبق ان اختبروا واتضح تعثرهم وفشلهم، وهو ما يثير بعض الأسئلة، منها ما يحتاج لإجابة من القيادة السياسية، ومنها ما يترك لتحليل القارئ، على رأس هذه الأسئلة: لماذا تم تغيير حكومة «محلب» إذا كانت الحكومة الجديدة هى نفس حكومة «محلب» بدون «محلب»؟، لماذا أوقفنا العمل لمدة عشرة أيام لتغيير حكومة «محلب» بحكومة «محلب» بدون «محلب»؟، لماذا تم إنشاء وزارات جديدة ثم تقرر التراجع عنها؟، لماذا تمت الاستعانة ببعض الوجوه التى سبق لن تم اختبارها وثبت فشلها؟، وما هو المستهدف من حكومة «محلب» بدون «محلب»؟
على أية حال، حكومة «محلب» بدون «محلب» تعد نموذجاً لفتح ملف الصندوق الأسود الذى تختار من داخله الشخصيات التى تدير البلاد: ما هى المعايير التى تم اختيار الوزراء على أساسها؟، هل اعتمدنا كالعادة على التقارير الأمنية؟، هل اخترنا الشخصيات التى تم حفظها فى صناديق الحكومة السوداء؟، هل من فازوا بحقائب وزارية قديمة وجديدة هم الذين يحظون برضا الأجهزة فقط؟، والسؤال الأكثر أهمية هو: هل جميع الشخصيات التى رشحتها الأجهزة تصلح بالفعل لتولى مناصب قيادية؟
الثابت تاريخياً أن لرئيس الجمهورية الكلمة الأخيرة في اختيار الشخصيات، والثابت أيضا أن موافقة الرئيس تأتى بعد موافقة الأجهزة الأمنية، وقد تكون الشخصيات قد تربت فى كنف الأجهزة أو أنها تحظى برضاها، والثابت كذلك تاريخياً أنه ليس كل من تطرح الأجهزة أسماءهم ويقابلهم المكلف بتشكيل الحكومة يتم اختياره، قد يرفض المكلف بعضهم، وقد يرفض الرئيس بعض من اختارهم المكلف.
يقال إن للمكلف اختيار جميع الوزراء عدا وزراء الوزارات السيادية، لكن ليس كل ما يقال حقيقياً، وليس كل ما يقال يتوافق مع ما يحدث بالفعل، لأن رئيس الجمهورية هو صاحب الكلمة الأخيرة، كما سبق أن أشرنا، في الموافقة على المختارين.
ففى الحقب السابقة كانت للأجهزة الأمنية أن ترفض جميع الشخصيات التى ترى أنها لن تنصاع لها، وكذلك كانت ترفض الشخصيات التي تتبنى فكرا مخالفا للفكر السائد، ولم يكن المكلف يمتلك القدرة ولا الإرادة التي تجعله يصر على شخص يتبنى فكراً معارضاً لفكر النظام، ولا القدرة ولا الإرادة على التمسك بشخص اعترض عليه رئيس الجمهورية، وتعلمنا من التاريخ كذلك أن المكلف لم يكن يقدر على اختيار شخص من خارج صندوق النظام أو صندوق الأجهزة الأمنية، لأن المكلف كان ومازال أحد أعضاء الصندوق، كما كان ومازال أحد أبناء الأجهزة، فقد تربى على الطاعة العمياء وعلى تنفيذ التعليمات مهما كانت خاطئة.
السؤال الأهم الذي يجب أن نطرحه فى هذا السياق هو: هل كل من توافق عليه الأجهزة يصلح لإدارة البلاد؟، هل كل من اختارته الأجهزة مؤهل للحقيبة أو الوظيفة التي اختير لها؟، بالطبع لا.