طارق الشناوى
مركز السينما العربية شعاع ضوء فى برلين
المخرج الألمانى الأسطورى فيم فيندرز 80 عاما أهدى له مهرجان برلين هذه الدورة جائزة إنجاز «دب ذهبى» فخرية تقديرًا لمشواره الفنى المرصع بـ30 فيلما ما بين روائى وتسجيلى، عُرض له رسميا وخارج التسابق فيلمه «كل شىء سيكون على ما يرام»، بطولة جيمس فرانكو وارتشيل ماك آدمز وشارلوت جينسبور، وهو مخرج وكاتب ومصور فوتوغرافى لا يزال يمارس كل تلك الهوايات وأيضا رسام يضع لمسات فرشاته على لوحاته الزيتية. فيلمه الأخير يؤكد أن الثمانين التى يبلغها بعد نحو ثلاثة أشهر فقط هى رقم يضاف إلى عمره لكنها أبدا لا تعنى أنه غادر محطة الشباب، يضيف إلى مشواره شريطا جديدا، حيث يقف دائما على منصة الإبداع الجديد. المهرجان فى إطار التكريم يستعيد عددًا من أعماله الروائية والتسجيلية على خريطته، إلا أنه لا يعيش على الماضى الجميل.
بدأ فيندرز مشواره منذ نهاية الستينيات ولا يزال المخرج الكبير يحظى بمكانة استثنائية فى العالم ليصبح عنوانا للسينما الألمانية فى المهرجانات العالمية، ولا يزال يشكل عامل جذب وينطلق عادة تكريمه من مهرجان إلى مهرجان، إلا أنه لا يستسلم أبدا إلى الركون لشاطئ التكريم دائما لديه ما يريد إضافته.
وفى مسيرة حياته تكتشف أنه كان فى مطلع حياته يرنو لكى يصبح قسيسا ولكن موسيقى الروك أندروول التى كانت شائعة منذ الخمسينيات حركت فى أعماقه توجها مختلفا، وسوف تجد فى مشواره الفنان التشكيلى كامنا مثلما تكمن أيضا الموسيقى، وهذا من وجهة نظرى هو سر سحر أفلامه التى تجمع بين إيقاعى اللوحة والنغمة، ومن أعماله التى يستعيد المهرجان جانبا منها أليس فى المدن و الصديق الأمريكى و الشروق فوق المياه عبر القرى و باريس تكساس الحاصل على سعفة كان 1984 وأيضا فيلمه قبل الأخير بينا تناول حياة راقصة الباليه الألمانية بينا لاروش، وحاز على جائزة أفضل فيلم وثائقى قبل أربعة أعوام.
فيلمه الجديد أنجزه أيضا بتقنية الأبعاد الثلاثة مثل بينا وهو اسم راقصة الباليه الألمانية، وأنا فى الحقيقة لم أستشعر أهمية استخدام تلك التقنية فى فيلم قائم على التأمل الوجدانى بالدرجة الأولى، ولا يعتمد على الإبهار فى تجسيم الصورة، بقدر ما هو يمتلئ بالعمق والإحساس الجمالى بالدرجة الأولى الذى تعيشه شخصيات فى الفيلم، وأظن أن المخرج ربما قرر أن يلحق بتلك التقنية الحديثة التى واكبها وهو فى العقد الثامن من عمره، فأراد أن لا تفوته فرصة الوجود للزمن القادم، لو صح أن الزمن سيحتفظ أكثر بالأفلام المجسدة بتلك الأبعاد الثلاثية رغم أن التجربة أثبتت، حيث إننا لا نزال نستمتع بالأفلام المصورة بالأبيض والأسود.
يجب أن نضع فى الاعتبار أنك من الناحية السيكولوجية عندما ترتدى تلك النظارة المجسمة للصورة تنتظر شيئا مغايرا للسائد، حيث إن الشاشة تلعب دورًا فى عقد الاتفاق المبدئى للعمل الفنى فى تلك المساحة من التعارف الجديد بينك وبينها، وهو ما يمكن مثلًا أن تراه فى واحد من أشهر تلك الأفلام أفاتار حيث يخسر الفيلم كثيرا لو لم يكن مجسدًا، بينما مثلا تيتانيك لنفس المخرج جيمس كاميرون عندما أعاد تقديمه بنسخة ثلاثية الأبعاد قبل نحو أربع سنوات لم يكسب الفيلم شيئا، بل أراه قد فقد أشياء وستظل النسخة الأصلية التى قُدمت 1998 هى المعتمدة للزمن القادم.
فيلم فيندرز يبدأ فى الطريق الثلجى ولكن دفء المشاعر والعواطف هو الذى يذيب الثلوج، ولا أدرى لماذا أشاهد الكثير من الأفلام عبر تلك الدورة ومنذ البداية مع فيلم الافتتاح لا أحد يريد الليل فى تلك الأجواء الثلجية الباردة، نحن نتابع مؤلفا شابا يصدم طفلا ويموت الطفل، ولكننا كمشاهدين نعتقد أنه لم يمت، نكتشف مع تتابع السيناريو وكأنها رغبة لا شعورية فى عقل بطل الفيلم الذى يؤدى دور كاتب روائى، ربما كان يعيش هو أيضا بين العالمين الواقعى والخيالى، كأن الكاتب يهرب نفسيا من مواجهة الإحساس بالذنب الذى يعتريه بسبب القتل الخطأ فيخلق عالما موازيا.
المخرج ينجح فى الحقيقة بصورة جمالية رائعة مثل مشاهد الملاهى الذى يضم فيه العالمين الخيال والحقيقة الممزوجين بروح الطفولة معًا فى تحقيق تلك الحالة من الألق الفنى، وهو ما لم يكن بحاجة إليه باستخدام تقنية الأبعاد الثلاثة.
****
السينما العربية ما هو الحال؟ فى برلين ليس هناك وجود فى المسابقة الرسمية، ولكن لدينا فى الحقيقة عددًا لا بأس به من الأفلام العربية كما أن الفيلم المصرى بره الشارع الذى يتناول مصر قبل ثورة 25 يناير يعرض فى قسم المنتدى ، لم أتمكن من مشاهدته فى عرضه الأول وسوف أطارده فى عرضه الثانى مساء اليوم. الفيلم إخراج كل من ياسمينة متولى وفيليب رزق، وتجرى أحداثه من خلال فرقة تمثيل من العمال ليلقى بظلاله على الثورة وما يجرى فيها وما الدوافع، والفيلم استعان بالفعل ببعض لقطات صورها أحد العمال على هاتفه المحمول سوف نعود إليه بالتفصيل. وهناك شعاع من الضوء العربى من الممكن أن تجده فى مركز السينما العربية هو منظمة جديدة تضم عددا من السينمائيين المصريين والعرب من مصر وسوريا ولبنان والأردن والمغرب العربى والإمارات وفلسطين، هكذا رأيت أسماء مثل الكاتب والمنتج محمد حفظى والمخرج الإماراتى نواف الجناحى والنجم الشاب أحمد الفيشاوى، والفلسطينى المخرج محمد قبلاوى المسؤول عن جمعية سينمائية فى السويد تقيم سنويا مهرجان مالمو ، وتولى زميلنا الدؤوب الباحث والناقد السورى المقيم فى مصر علاء كركوتى رئاسة المركز الذى يتواصل عالميا مع السوق الأوروبية للفيلم، كى يتم تنفيذ مشروعات سينمائية وحرصوا على أن يأتى الإعلان من برلين ليحمل دلالة على أنه المهرجان الأكثر حضورا ووجودا على المستوى الرسمى والجماهيرى وبالأرقام، حيث إن تذاكر مبيعات المهرجان تصل إلى ثلث مليون ويحضره قرابة 5 آلاف إعلامى.
أهمية الحدث أنه مستقل عن الدول وبالتالى لا يخضع للروتين الحكومى، كما أنه عربى وليس مصريا ولا سوريا ولا لبنانيا، ولكنه يرنو إلى فكرة أن الإطلالة على العالم ينبغى أن تكون عربية بالأساس، كما أنه لا يكتفى فقط بالجانب النظرى، بل نجح فى خلق قدر من الوجود العملى فى المشاهدة، عبر تلك العروض التى ينظمها تباعا مع النقاد والشركات الإنتاج لتسويق الأفلام ومنها فيلم وردة وعلى الرغم من أنه يتم توزيعه على اعتبار أنه فيلم رعب وهذا فى رأيى خطأ فى التصنيف؛ لأن الفيلم لا يمكن اعتباره كذلك، كما أن فكرة أنه أول فيلم أو إن شئت الدقة أول محاولة لإنتاج فيلم رعب مصرى أراها غير دقيقة علميا، لأن لدينا محاولات سابقة فى هذا الاتجاه مثل تعويذة لمحمد شبل قبل نحو ثلاثين عاما، ولكن ليست هذه هى قضيتنا، فلا شك أن الخطوة مهمة، خصوصًا أن الطموح يزداد لتتسع الدائرة أكثر لتحوى إنتاج أفلام قادمة ومشروعات مشتركة، حيث إننا مثلا على مستوى السينما المصرية كان يوسف شاهين وبعده تلاميذه وأشهرهم يسرى نصر الله والراحلة أسماء البكرى هما فقط من يملكان مفتاح فك الشفرة للإنتاج المشترك، وباستثناءات قليلة، ولكن المركز السينمائى العربى أظنه سيتمكن من فك تلك الشفرة!