مؤمن الهباء
شهادة .. الأحزاب الورقية!!
بذلت جهداً كبيراً حتي أصل إلي العدد الصحيح للأحزاب السياسية حالياً فوجدته 104 أحزاب.. والله أعلم هل فعلاً هذا هو العدد الصحيح أم لا.. فالحقيقة ان الأحزاب تكاثرت بشكل مبالغ فيه.. وفهم الكثيرون حرية تشكيل الأحزاب علي أنها "هيصة".. فصار بإمكان من لم يجد وظيفة أن يشكل حزباً ويصبح رئيساً له.. دون أن يكون لهذا الحزب دور علي الساحة أكثر من الكارنيه الذي يحمله رئيسه.. وفي أحسن الأحوال يضاف إلي الكارنيه مقر من حجرة وصالة.. ودخل بعض رجال الأعمال إلي الدائرة فشكلوا أحزاباً بهدف حماية المال بالسلطة.. أو بهدف إحداث التأثير الذي يريدونه في المجتمع.
وبسبب كثرة الأحزاب صارت الحياة السياسية تعاني من الضعف والركود والفوضي والارتباك والتخبط.. فلا منافسة حقيقية علي الساحة.. ولا برامج جادة تطرح علي الناس لتعطيهم الأمل في المستقبل.. ولا مناخ يسمح بظهور قيادات شعبية وحزبية من بين صفوف الجماهير.
الأسوأ من ذلك ان المواطنين صارت لديهم انطباعات سلبية تجاه الأحزاب لكثرة عددها وغموض برامجها.. ولو سألت مواطناً عما يعرفه عن الأحزاب الحالية سوف تفاجأ بردود صادمة.. ولن يستطيع هذا المواطن أن يذكر لك أسماء أحزاب تزيد علي عدد أصابع اليد الواحدة من بين الـ 104 أحزاب.
ومن المؤكد ان معظم الأحزاب الحالية لن تخوض الانتخابات البرلمانية القادمة.. والتصويت في هذه الانتخابات لن يكون للأحزاب ولا للبرامج السياسية.. وإنما سيكون لشخص المرشح وعائلته وحجم إنفاقه.
وهناك أصوات تطالب بحل الأحزاب التي لن تحصل علي مقاعد في البرلمان القادم أو دمجها في الأحزاب المتشابهة معها.. وهذه في الواقع مشكلة محيرة.. لأن مؤسسي أغلب الأحزاب ينظرون لمصالحهم الشخصية ومكاسبهم الفردية التي يحققونها ولن يتخلوا عن تلك المكاسب من تلقاء أنفسهم.. ومن ناحية أخري فإن إجبار الأحزاب علي الحل أو الاندماج بقرار إداري أو بقانون سيحمل شبهة المساس بالحريات السياسية التي ناضل الشعب من أجلها كثيراً حتي تحققت له ضمن مكاسب ثورة 25 يناير.
من هذه الزاوية تستطيع أن تري كيف أضرت هذه الأحزاب الورقية الضعيفة بالحياة السياسية في مصر.. ليس فقط لأنها نفرت الناس من الأحزاب والعمل الحزبي وشوهت سمعته.. ولكن لأنها ـ أيضاً ـ غالباً ما تلجأ إلي التآمر والتلاعب في حلبة المنافسة لتغطي ضعفها وتحصل علي حق ليس لها.. ولتقوم بدور البديل "الدوبلير" للأحزاب الحقيقية إذا ما استدعي الأمر ذلك.. فهي إذن عنصر مهم في إفساد الحياة السياسية وتزييفها وتزويرها.. حين يقال ـ مثلاً ـ إن هناك عشرين حزباً وافقت.. أو إن هناك عشرين حزباً اعترضت.. والعدد في الليمون.. علي رأي المثل.
ويرجع البعض ظاهرة الأحزاب الورقية إلي حالة السيولة والتخبط والانقسام التي شهدتها الساحة السياسية عقب ثورة يناير.. والتي أفرزت أحزابا لا تقوم علي برامج محددة.. فضلاً عن ان القانون تسبب في عودة تزاوج رأس المال بالسياسة.. وفتح الباب أمام تأسيس أحزاب ليس لها قاعدة جماهيرية بهدف الوجاهة الاجتماعية لرؤسائها.. لكن هل هذا صحيح فعلاً؟!.. هل كانت الأحزاب الـ 25 القائمة قبل الثورة ذات تأثير وفاعلية؟! وإذا كانت كذلك فلماذا قامت الثورة أصلاً؟!
إن كثرة الأحزاب في أعقاب الثورات وفي مراحل التحول السياسي أمر طبيعي ومطلوب لأنها تكشف عن التنوع الفكري في المجتمع وتساعد علي إظهار التعددية السياسية الحقيقية.. ولكن يجب أن يصاحب ذلك وعي من النخبة ومن الجماهير حتي تكون هذه الكثرة معبرة فعلاً عن الشارع وما يموج فيه وليست مسألة صورية وديكورية.. تتكاثر الأحزاب بينما لا يجد الشارع من يعبر عنه.. فتقع الأزمة.. أو الأزمات.