التحرير
أحمد الصاوى
إلى السيسى: ثورة بك.. أو عليك
عندما خرج الناس فى ٣٠ يونيو ثائرين وملتفين حول مطالبهم، فالأرجح أنهم كانوا يفكرون فى أن تكون الثورة الأخيرة على الأقل خلال مدى زمنى طويل نسبيا. لا أحد يتمنى أولًا أن يتواصل الاضطراب فى بلده وعدم الاستقرار، وأيضًا لأن الرهان القائم كان يذهب إلى أنه لن يكون هناك عاقل بمقدوره أن يكرر أخطاء نظامين سابقين، وأن لا يعتبر من نتائج ثورتين فى أقل من ٣ سنوات.

كانت ٣٠ يونيو لحظة ذهبية ونادرة، وفرصة للانطلاق فى فضاءات المستقبل والتحرر من إرث دولة الاستبداد التى أسقطها الشعب فى ٢٥ يناير ، وأوهام الدولة الدينية، التى تم إجهاض مشروعها قبل أن يفرض نفسه فى ٣٠ يونيو ، لتبقى فقط القيم المشتركة للثورتين، فى ما يخص بناء الدولة الحديثة، التى تحمى الحياة والتنوع والحقوق والحريات، وتقيم العدل والمشاركة، وتتلافى كل ما ارتكبه السابقون من خطايا كانت سببًا واضحًا فى إسقاطهم.

لكن الواقع الآن لا يكذب، السيارة تعود إلى الخلف، ليس فقط لعدة سنوات عند حدود الرابع والعشرين من يناير ٢٠١١، إنما لأعوام كثيرة موغلة فى الماضى، فى محاولة لاستدعاء نموذج الدولة الوصى بكل تجلياته الأمنية المرتكزة على العصا والزنزانة، والقانونية المرتكزة على استغلال القانون والمؤسسة القضائية لخدمة السياسة الأمنية وتحصين القائمين عليها، والإعلامية فى احتكار الإعلام والسعى لتوحيده عبر وسائل شتى بين ترهيب وترغيب وتنسيق وتوزيع أدوار، ليخرج خطاب إرشادى يكاد يكون واحدًا لا يختلف إلا فى نوع الحنجرة التى تتحدث به.

الرئيس السيسى الذى توافرت له ميزات لم تتوافر لثلاثة حكام غيره بعد الثورة: شعبية كبرى، دعم داخلى غير محدود، مبايعة وولاء من أجهزة الدولة، دعم خارجى إقليمى قوى. ولكن تواجهه تحديات كبرى لا نستطيع أن نغفل أهميتها فى مواجهة الإرهاب، وتقلبات الإقليم، لكنه فى ما يخص القطيعة مع الماضى يتحدث فقط، حتى بات مفعول الكلام المعسول والحانى غير كاف ليصمد أمام الموت والانفلات وسوء الأداء وإفلات المقصرين دائمًا من أى محاسبة حقيقية أو عقاب.

باتت الدولة بأجهزتها، إما أنها لديها سوء تقدير بالغ، ولا تدرك عواقب سياساتها فى هدم ما تبقى من آمال للمصريين فى دولة ترتكز على الأقل على قضاء مستقل وعادل وناجز، يفتح التحقيقات وينهيها بمحاكمة متهمين حقيقيين، وإرادة سياسية تواجه العجز والفشل والتقصير وسوء الأداء، وكبح الميل الدولتى نحو قهر الناس وتصفية حسابات الثأر معهم، أو أنها تدرك كل هذه العواقب وترمى إلى اختبار غضب ناس وشحنه بالمزيد من مسببات الانفجار، من أجل موجة تغيير أخرى يجرى تجهيزها، ولا حل أمامها إلا فى تحويل الرئيس الذى كانت تراه ضرورة فى وقته، إلى رئيس عبء، لا يمكن الحفاظ على الدولة وبقائها حتى كهيكل شبه متماسك إلا بتقديمه قربانًا للانفجار القادم.

تخبط النظام اقتصاديًّا، وتركيزه فى مشروعات بعيدة الأثر يجعلان العائد الذى يخص المواطن الفرد يتأخر كثيرًا، مع تحميله كل فاتورة الإصلاح الاقتصادى من رفع الدعم وتضاعف الأسعار، مع استمرار تردى الخدمات، وغياب مشروع واضح غير الخطابة الرنانة العاطفية، واستثمار الغضب المستحق من الإخوان، وخطابات الالتفاف فى زمن الحرب على الإرهاب للتغطية على كل ذلك، ويتوازى معه إحساس بأن وجود السيسى على رأس الدولة لم يغير شيئًا فى ممارسات الشرطة، ولا منهجها فى التعامل مع المواطنين، ولا تورطها فى قتل ضحايا بسبب أخطاء أفراد فيها، أو عقم سياسات وسوء أداء وتمسك أمنى بإجراءات لا تقيم وزنًا لحياة المواطن، مما جعل السجل الحقوقى لفترته الرئاسية يزداد لونه قتامة، حتى فى القضايا البعيدة عن محاربة الإرهاب.

لا شك عندى فى أن موجة تغيير كبرى قادمة، بعد أشهر، بعد سنوات، لا يهم توقيتها، قدر أن يفهم الجميع أن هذا الطريق لا نهاية له سوى الانفجار، وأمام السيسى خياران لا ثالث لهما، إما أن تأتى الثورة به، فيثور على نظامه، كما نصحه هيكل، بحزمة إصلاحات وإعادة هيكلة جريئة تستهدف أجهزة الدولة، وإرساء حقيقى لدولة قانون للجميع وعلى رقاب الجميع، لا ينفذ منها المتواطئون والمقصرون، أو فلينتظر ثورة عليه، لأن تلك هى المحطة المنطقية القادمة، ولا يتصور لحظة أن تخويف الناس من التغيير يمكن أن يؤمِّنه من مصير السابقين، حتى وهو يسير أبعد من خطاهم فى الاستهانة بالشارع.

هذا طريق واضح ومجرب، ومغرضون من يحاولون إقناعك أنك يمكن أن تسير فى ذات الطريق، ولا تصل إلى النهاية ذاتها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف