عبد الحليم رفاعى حجازى
وفي يوم عيد الأضحي عبادة العمر
أولاً :إن يوم "عيد الأضحي" يأتي بين مناسك الحج. عبادة العمر وتمام الأمر. وكمال الإسلام والدين. وهكذا فإن لعظمة هذا النُسك اليوم. اقترن اسمه بهذا العيد. فقيل فيما قيل "عيد الأضحي". وقيل أيضاً "عيد النحر".. ويقول الفقهاء والدعاة: إن لفظ "الأضحي" جمع أضحاه. والأضحاه. ما يذبح في وقت الضحي. وكذلك الأضحية تُذبح يوم العيد. أما اسم عيد "النحر" فقد جاء بها القرآن العظيم "فصل لربك وانحر" "سورة الكوثر: 2". وهذا يعني أن شعيرة النحر في هذا اليوم لابد أن تكون بعد الصلاة. ولذا قال الرسول المصطفي "صلي الله عليه وسلم": "مَن ذبح قبل العيد. فقد ذبح لنفسه. ومن ذبح بعد العيد. فقد تم نُسكه. وأصاب سُنة المسلمين". وهكذا فإن هذا الحديث الشريف يؤكد معني القيمة وهو أن الغاية ليست مجرد لحم يؤكل. ويُتصدَّق به. أو يُهدي منه للأقارب والأصدقاء. وإنما هي في الالتزام بميقات معلوم ودم يُراق باسم الله مقترناً بذكر الله معبراً عن خشية الله.
ثانياً: وإذا كان يوم العيد يوماً ملحوظاً في السنة. ومذكوراً علي الألسنة. ويجتمع له الناس متابدلين التحية والتهنئة: فقد أخذ يوم "عيد الأضحي" هذه المكانة والرضا وزيادة.
1- لقد نضر الكريم ربنا الأعلي أيام عبادة المؤمنين بالأعياد. ولم يخلها سبحانه من حكمة بالغة. وعظة ثاقبة.. جاء في "المواهب اللدنية" للقسطلاني: "أعلم للمؤمنين في هذه الديار ثلاثة أعياد: عيد يتكرر كل أسبوع. وعيدين يأتيان في كل عام مرة من غير تكرار في السنة: فأما العيد المتكرر. فهو يوم الجمعة. وهو عيد الأسبوع. وهو مترتب علي إكمال الصلوات المكتوبات فيه: فشرع الله لهم عيداً. وأما العيدان اللذان لا يتكرران في كل عام. وإنما يأتي كل واحد منهما في العام مرة واحدة. فأحدهما عيد الفطر. من صوم رمضان. وهو مترتب علي إكمال صيام رمضان. وهو الركن الثالث من أركان الإسلام ومبانيه.. والعيد الثاني: هو عيد النحر. وهو أكبر العيدين. وأفضلهما. وهو مترتب علي إكمال الحج. الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه. فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم. وإنما يكمل الحج بيوم عرفة. فيعتق الله فيه من النار من وقف بعرفة. ومن لم يقف بها من أهل الأنصار من المسلمين. فلذاك صار اليوم الذي يليه عيداً لجميع المسلمين في جميع أنصارهم. من شهد الموسم منهم ومن لم يشهد لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم الجمعة".. "شرح الزقاني: ج8 ص35. 36".
2- وهذا هو "عيد الأضحي" يقبل علينا بنوره وجماله ويعود بالألباب والخواطر إلي الموقف الباقي علي الزمن والخالد في التاريخ والمردد علي شفتي الأيام. موقف إبراهيم مع إسماعيل عليهما السلام يوم دعاهما داعي الحق تبارك وتمجد إلي التضحية الكبري والبذل الأعظم. فأصغيا للدعاء واستجابا للنداء.. وليس بطريقة الوحي المألوف في وقت اليقظة. بل بطريق الرؤيا في المنام. وقد كان:
3- وفي هذا اليوم السعيد المجيد يحسن بنا أن نتذكر قول الله عز وجل لرسوله الكريم "صلي الله عليه وسلم" "إنا أعطيناك الكوثر""الكوثر: 1 3".. أي الخير الكثير في الدنيا. فاشكر ربك علي هذه النعم واعبده لأنه أهل للعبادة دون سواه. "فصل لربك وانحر" أي اعبده عبادة القلب والروح. والحس والمادة التي يمثلها النحر والتطوع بالأضحية. ولا مبالاة بالأعداء والمبغضين "إن شانئك هو الأبتر" لأنهم هم المقطوعي الأثر والخير. وأما أنت فخيرك باق موصول وذكرك دائم مرفوع. وتمر الأجيال بعد الأجيال. وترطب شفاهها كل يوم مرات ومرات بذكر اسمك والصلاة عليك وتمجيد سيرتك العطرة.. انظر: "زاد المعاد ج1 ص..247 كفاية الأخيار ص782. تفسير ابن كثير ج4 ص 559".