التحرير
حمدى عبد الرحيم
هكذا سننتهى
لا حوادث الطرق، حتى لو كانت شنيعة، ولا مباريات كرة القدم، حتى لو تحوَّلت إلى مذابح، ولا غارات الإرهابيين، حتى لو وصلت إلى حرق الأسرى أحياءً، ولا المعارك العسكرية، حتى لو استخدمت فيها القنابل النووية، كل ما سبق لو اجتمع على دولة واحدة لن يؤدِّى إلى موتها وفنائها.

لقد ذاقت اليابان تجربة القصف النووى، ولم تُفنَ الدولة اليابانية، وتعرَّضت ألمانيا بعد هزيمتها فى الحرب العاليمة الثانية لما هو أشد قسوة من القصف النووى، ثم لعقت جراحها، وها هى تسجِّل معجزتها الألمانية الفريدة بوصفها صاحبة ثالث أقوى اقتصاد على مستوى العالم.

وتعرَّضت مصر لكل أنواع القتل فى ما عدا القصف النووى، وها هى مصر بشعبها تسد عين الشمس، إذن كل المذابح مهما تكن ضراوتها لن تبيد دولة أى دولة، الذى يبيد الدول بطريقة التحلُّل هو غياب الحقيقة.

وغياب الحقيقة لا يعنى الكذب فحسب، وإنما يعنى طمس هوية كل شىء وتزييف كل شىء وتفتيت اليقين، وقتل هذا المعنوى الذى يؤسِّس الحضارات (أعنى الضمير)، ليست لدولة كرامة على الله تحول بينه وبين أن يقضى عليها بما جنت يداها، ويرميها فى مستنقع الفشل، ليست لدولة حصانة ضد الفشل سوى الاعتصام بحبل الحقائق المتين، دون الحقيقة، والحقيقة كاملة غير منقوصة، فلا تنتظر سوى ما نحن فيه الآن، قتلى يتساقطون لا نعرف لهم قاتلًا.

هل عرفنا شيئًا له معنى عن مذبحة القديسين التى وقعت قبيل اندلاع ثورة يناير؟

هل عرفنا شيئًا عن قتلة شهداء الثورة؟

هل عرفنا شيئًا عن أى شىء؟

كيف سنواصل الحياة هكذا ونحن نتخبَّط فى نفق التخمينات المظلم؟

مَن يطالبنا بأن نحب وننتمى ونبنى ونشيد، وحالنا هو ما نعيشه على مدار الساعة من تلفيقات وهراء وعبث وجنون وفوضى؟

ما معنى أن تمر الأيام ثم لا نقبض على قاتل شيماء الصباغ، المتظاهرة السلمية، التى خرجت من بيتها حاملة وردة فذهبت إلى قبرها مثقوبة برصاصة؟

ما معنى أن تحدث مجزرة على أبواب استاد الدفاع الجوى بين صفوف مشجعى نادى الزمالك؟

على مدار يومين متتاليين تابعت كل ما قيل عن هذه المذبحة ثم لم أخرج بشىء.

حتى عدد الضحايا مختلف عليه، بعضهم يهبط بالعدد إلى الرقم 14 وبعضهم يصعد به إلى ما فوق الـ 30 .

كيف قُتل هؤلاء؟ ومَن الذى قتلهم؟ بل مَن هم أساسًا؟

كلها أسئلة بلا إجابة شافية، كل ما صنعته الدولة ولا أقول الحكومة هو أنها صبَّت على قلوبنا المنهكة أطنانًا من الكلام المعاد المكرر الذى يقدّم تحليلات سياسية دون الدخول فى صلب الوجع، وصلب الوجع هو غياب الحقيقة، هذه الحالة المرعبة من التواطؤ العام الشامل للتغطية فى كل حادثة على القاتل الحقيقى، بهذه الطريقة نحن قطعنا نصف الطريق نحو نهاية الدولة، عما قريب سنعبر الخط الفاصل بين الحق والقوة، بين النظام والفوضى، بين الكذب والصدق. لا تندهشوا عندما يتحوَّل أصحاب الحقوق إلى قتلة، وذلك لأن حقَّهم ضاع وفشلوا المرة بعد الأخرى فى الحصول عليه.

يتفاخر بعضهم بأننا لم نصل إلى مرتبة العراق وسوريا، وينسى المتفاخر أن ما حدث ويحدث وسيحدث فى العراق وسوريا بدأ بإخفاء الحقائق وطمسها، وللأسف نحن على ذات الدرب نسير.

حمدي عبد الرحيم
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف