تأتي الاجازة الدراسية ومعها الملل والحر والفراغ.. ولم تكن ساعة العصاري كافية لمانشتات كرة القدم.. وكنا نلجأ إلي أوقات الظهيرة الملتهبة.. وأحيانا كنا نلعب حفاة علي الأسفلت كاننا في برنامج لتعذيب أنفسنا.. لكنها الكرة.. فإذا جاء وقت إذاعة مباريات الأهلي والزمالك.. اتجهنا إلي المقهي الذي يتميز بوجود تليفزيون تليمصر 16 بوصة يتجمع حوله الكبار والصغار وغالباً ما يلجأ الرجل إلي ملاية سرير يضعها ستاراً من ضوء الشمس وعليك أن تحجز مقدماً قبلها بساعة.
تأتي الاجازة وعند منطقة الخانكة والجبل الأصفر وأبوزعبل يمكن أن نضيف إلي لعب الكرة هوايات أخري منها صيد السمك كما اقترح بذلك صديقنا قنديل حجاج.. وكانت الرحلة الأولي من هذا النوع وعدت أمي بأكلة فسفور ماحصلتش ان هي ساعدتني في توفير معدات الصيد.. الغابة البوص سوف أحصل عليها من أقرب حقل.. والخيط والسنارة ثم الطعم.. اقترح قنديل باعتباره خبير الثروة السمكية أن نأخذ معنا إلي جانب ما تيسر من طعام وشراب.. بعض الخبز المبلول لأن السمك يحبه.. وأفتي يوسف حجر وهو أكبرنا بأن نبدأ رحلة الصيد مع مطلع النهار.. وانطلقت القافلة ولا أدري من قال لنا بأن الرياح أو المجري الذي يمضي فيه الصرف الصحي هو الأنسب للحصول علي أسماك القراميط.. وضربت الشمس في نافوخنا ونفد العيش المبلول والعيش الجاف الذي كنا نحمله نحن.. ورفضنا بالطبع أن نقدمه لسمك يتعمد أن يحرجنا مع الأهل الذين ينتظرون عودة قافلة أعالي البحار بما لذ وطاب وأن كانت في النهاية ما ضاع وخاب..
وقال لنا يوسف يكفي أننا تعلمنا الصبر.. واتجهنا إلي ترعة الإسماعيلية ورغم أن الفرصة أفضل لكن السمك امتنع علينا واستعصي.. ولم يكن أمامنا إلا الاستفادة من السباحة في الترعة.. رغم التحذيرات من وجود البلهارسيا.. لكن مع الحر والفراغ وحماس الشباب طظ في كل الأمراض.
كانت الترع هي المصيف المجاني المتاح.. وجاءت البلهارسيا واختلط الدم بالبول.. وبدأت رحلة علاج مخيفة لم تنفع فيها الأقراص التي نأخذها من الوحدة الصحية جائعاً علي لحم بطنك.. ولا تستطيع الأكل إلا بعد ساعات ثم دخلنا في مرحلة الـ 21 حقنة التي يتم الحقن بها كل 48 ساعة بمعدل 3 مرات أسبوعياً.. وهي أيضاً تحتاج منك أن تذهب إلي الوحدة الصحية التي كانت تابعة هذه المرة للمدرسة.. وفشل العلاج بعد رحلات متعددة من الابر والشكشكة والجوع ومع ذلك استمر كفاحي مع البلهارسيا اللعينة التي وقفت حائلاً دون حضوري في مجال كرة القدم بعد أن نجحت في اختبارات الترسانة والسكة الحديد للأشبال.
لا أكلت الفاميليا السمك كما وعدناها.. ولا ارتاحت بسبب البلهارسيا التي هجمت بشراسة ولم ترحمني.. حتي نجحت في الافلات منها بفضل الله.. وإلي هنا انتهت صداقتي بالترع واللعب فيها.
وفي الصيف نتمشي ونجلس علي النواصي.. ونتبادل الروايات العالمية وهذا أفضل ما خرجنا به كنا مثل غيرنا من الشباب نتصرمح ونصيع ونغامر ونعيش حالات من الهبل العاطفي العيالي لكن المتعارف عليه في هذا الوقت القراءة.. وفي القصص والروايات العالمية الكثير مما أخذ بأيدينا نحو الأفضل والأعقل والأفيد.. وربما جاءت نذر الكتابة الأولي وبشائرها كتطور طبيعي للغوص في دنيا أكابر أدباء العالم والطيران بخيال المراهقة هنا وهناك وهو ما جعلنا نفلت بسهولة من حكايات عمك خليل حنا تادرس وكان هو رائد القصص الجنسية الفاجرة وله في ذلك عشرات الكتب الصفراء.. حيث لا قنوات ولا كمبيوتر ولا تليفزيون ولا راديو إلا نادراً.. فقط هو الخيال.. والحر.. والفراغ.. وعيش يا معلم.