عبد الرحمن فهمى
سيد حودة .. هدفان تاريخيان
كان سيد حودة من أشهر نجوم الإسكندرية ومصر في العشرينيات. واشترك مع حسين حجازي في دورة انفرس الأولمبية عام 1920 ثم دورة باريس الأولمبية عام ..1924 وكان والد حودة اسمه محمد إسماعيل. لذلك كان اسمه في الأولمبياد حودة إسماعيل. تماماً كما كان الكاس اسمه عبده في نهائيات كأس العالم بروما 1990 لأن اسم الكاس بالكامل محمد عبده.. ولاسم حودة هذا قصة طريفة.
فقد أطلق عم محمد إسماعيل كل مشتقات اسم محمد علي جميع أولاده: محمد ومحمود وأحمد ومحمدين ومحمدي.. وأخيراً رزقه الله بالمولود السادس فاحتار في اختيار اسم له. فقالت له زوجته:
- يا خويا ما نغير بقي.
- اسكتي يا وليه خالص.. ده اسم سيدنا محمد ومشتقاته بركة.
- طيب فكر.
- ربنا سبحانه وتعالي سيلهمني الآن.
وفجأة دوي صوت رجل يبيع الحلوي في إحدي حواري الإسكندرية حيث يسكن والد حودة.. فصاح الرجل في زوجته:
- سامعة؟؟.. سامعة بتاع الحلاوة بيقول إيه؟؟
- بيقول إيه يا سي محمد؟؟
- بيقول حلويات حودة يا جدع.
- وحتسيمه حلويات!!
- لأ.. حأسميه حودة.. يا ست حلويات!!
وقد كان..
وعلي قدر ما في حياة سيد حودة من أهداف عديدة إلا أنه لا ينسي أبداً هدفين كانا لهما تاريخ وذكري.. هدف غير كل الترتيبات الملكية. وهدف غير كل التوقعات الأوروبية.
كانت المباراة الأولي في افتتاح استاد الإسكندرية يوم 17 نوفمبر عام 1929. وكان الملك فؤاد والملكة نازلي وباقي أفراد العائلة الملكية سيحضرون هذه المباراة.. وكان طرفا المباراة منتخب القاهرة الذي يضم كل لاعبي مصر الدوليين الكبار ومنتخب الإسكندرية الذي يضم ثلاثة من لاعبي مصر الدوليين وهم سيد حودة وشقيقه محمود وأحمد سالم فقط.
وقبل المباراة سمع سيد حودة حركة غير عادية في حجرة ملابس منتخب القاهرة.
- خير يا جماعة فيه إيه؟؟.. مين دول؟؟
وجد سيد حودة رجالاً يلبسون البدل السوداء الخاصة بالتشريفة ذات الياقات اللامعة ومعهم حسين حجازي وحكاية غريبة. حسين حجازي يمشي من باب الحجرة إلي حيث يقف رجل كبير مهيب في نهاية الحجرة. ويصافح حسين حجازي الرجل وينحني له. وهناك شخص آخر يصرخ قائلاً: "لا.. لا.. غلط.. من تاني".
ثم يعود حسين حجازي إلي قرب باب الحجرة ويمشي إلي حيث يقف الرجل المهيب ويصافحه مرة أخري.. وحاجات ولا السيما!!
وسأل سيد حودة عن الموضوع.. فقالوا له حسين حجازي بيعمل بروفة عن كيف سيصافح الملك فؤاد حينما يتسلم منه الكأس والميدالية الذهبية!!.. وصاح سيد حودة:
- هوه منتخب القاهرة كسب الماتش خلاص؟؟
- لا بس بعد شوية طبعاً حيغلبكم. انتم فاكرين ايه؟؟
هكذا رد بعض زملاء حسين حجازي من لاعب القاهرة فرد عليهم سيد حودة:
- علي العموم الكورة مالهاش كبير.
ـ أنت أتجننت؟؟ حتغلب منتخب مصر؟؟
- يوضع سره في أضعف خلقه.
- ده في الحواديت مش في الكورة يا شاطر!!
المهم عاد سيد حودة إلي حجرة خلع الملابس الخاصة بمنتخب الإسكندرية وروي لهم ما حدث. فتحمس اللاعبون. وقال لهم سيد حودة: "نموت في الملعب ولا يفوز عليها منتخب القاهرة بأي شكل".
وبالفعل نزل منتخب الإسكندرية وكله عزيمة وإصرار علي الفوز بأي ثمن.. بينما لعب منتخب القاهرة وكأن المباراة في جيبه.. ووسط هذا الاستهتار احرز سيد حودة هدفه الشهير في مرمي منتخب القاهرة الذي لم يستطع أن يتعادل. وخرج مهزوماً.. فجري سيد حودة إلي حيث يقف حسين حجازي وهو يضع يديه في وسطه من ذهول المفاجأة فقال له سيد حودة:
- تعالي علمني البروتوكول يا حسين بك.
- أنت بتتريق يا حودة؟؟
- لا بس خايف أغلط في البروتوكول يقوموا يقرروا إعادة المباراة تاني!!
وانفجر الجميع في الضحك. حتي أن حسين حجازي وفريقه رفضوا أن يصعدوا إلي المقصورة ليتسلموا ميداليات المركز الثاني من الملك فتم إيقافهم!!
الهدف الثاني الذي لا ينساه سيد حودة رغم مئات الأهداف التي احرزها - كان في أولمبياد باريس 1924 حيث فازت مصر بالمركز الرابع في هذه الأولمبياد - ثم كررت نفس الانجاز في أولمبياد طوكيو 1962 - وكان هدف حودة في مرمي المجر. فقد كتبت الصحف الأوروبية في تقديم المباراة أنها بين تلاميذ افريقيا وأساتذة أوروبا.. والسؤال هو: كم عدد الأهداف التي ستدخل مرمي فريق التلامذة؟ !!
لم يشهد المباراة إلا عدد قليل من المصريين الذين كانوا في باريس. وكانت المدرجات شبه خالية. بعد أن قرأ المصريون والعرب عموماً هذا الكلام صباح يوم المباراة. ومن عادة الأولمبياد إذاعة النتائج أولاً بأول في الميكرفون الذي له سماعات في جميع أنحاء الملاعب.. وعرف المصريون والعرب تقدم مصر علي المجر بهدف. وأن المباراة من جانب واحد تقريباً فكل الهجوم لصالح مصر. وأن موازين القوي مقلوبة تماماً.. ما أن سمع المصريون والعرب هذا حتي تدافع المصريون والعرب نحو استاد باريس ليملأوا المدرجات ويشجعوا فريق مصر بجنون حتي فازت مصر 3-1 وسط ذهول كل المعلقين.
وكان قبل المباراة قد جمع حسين حجازي أفراد الفريق وقال لهم:
- مصر كلها تنتظر نتيجة هذه المباراة يا أولاد.. إنها ليست مباراة رياضية بل حرب دفاعاً عن كرامة مصر.. ده ماتش كرامة.. سعد زغلول باشا أرسل لي برقية بهذا المعني الآن.. البرقية اهه..
وانتحي سيد حودة جانباً قبل أن يستبدل ملابسه. وتوضأ وصلي ركعتين.. ثم قال لأصدقائه:
- لقد ندرت شيئاً إذا فزنا سأفعله.
وبعد المباراة قال سيد حودة لزملائه:
- عليّ النعمة لأوفي بالنذر.. وأرجوكم لا يمنعني أحد!
- حتعمل إيه يا مجنون؟؟
ـ حألبس جبة وقفطان. وحاقعد في شارع الشانزلزيه اقرأ قرآن بصوت عال.. ده ندر عليّ.
- الناس حتتلم عليك.
- هوه ده اللي أنا عاوزه.. أنا عاوز أقول للناس الكفرة دول إن ربنا كبير.. بس أنا لي طلب عندكم.
- إيه هوه؟؟.. قول!!
- عاوز واحد يصورني علشان إلا ماشفنيش علي الطبيعة يشوفني في الجورنال!!