مؤمن الهباء
شهادة .. مصرع خبير ألماني!!
تحت عنوان "مصرع خبير ألماني مسئول عن حفر أنفاق القناة" نشرت إحدي صحفنا اليومية الخبر التالي:
لقي خبير ألماني مسئول عن تركيب وتشغيل الحفار الذي يجري عمليات حفر الأنفاق أسفل قناة السويس ومهندسان مصريان مصرعهم وأصيب سائق إثر اصطدام السيارة التي كانوا يستقلونها بأخري نقل علي مفارق أبوصوير بطريق "الاسماعيلية- القاهرة- الصحراوي بالاسماعيلية..وتبين من المعاينة الأولية ان الحادث وقع بسبب التصادم بين سيارتي الركاب والنقل مما أدي لمصرع 3 مهندسين هم: سعاد جنيدي مدير إدارة الجودة بالمشروع وعبدالغني محمد مهندس بالمشروع والخبير الألماني "لورنز" المسئول عن تركيب وتشغيل الحفار.
الحادث محزن بلا شك- ويبعث علي الأسي نظراً لسقوط ضحايا أبرياء كانوا في طريقهم لإنجاز أعمالهم.. لكن ما يبعث علي الأسي أيضاً الطريقة التي صيغ بها الخبر.. والتي تركت في داخلي انطباعاً سلبياً حول التفرقة في المعاملة بين ضحايانا والضحايا الآخرين "الأجانب".. خصوصاً إذا سقطوا في حادث واحد.
عنوان الخبر- كما تري- اهتم بالخبير الألماني وركز عليه بما يوحي بأنه مات في الحادث وحده.. لكنك وبمجرد أن تذهب إلي المتن تكتشف أن هناك مصريين أيضاً لقيا مصرعهما وليس الخبير الألماني منفرداً.. وهذان المهندسان لا يقلان أهمية عن الخبير.. فالأولي- سعاد جنيدي- مدير إداة الجودة بالمشروع.. والثاني- عبدالغني محمد- مهندس بالمشروع.
أعرف أن اختيار عنوان للخبر فيه وجهات نظر متعددة..وأعرف أيضاً أن عنوان الخبر يحمل توجهه..وما أتحدث عنه هنا له علاقة بوعينا بالذات في مواجهة وعينا بالآخر.. والتخوف من أن تكون حساسيتنا تجاه الآخر في الظروف الحالية قد أثرت علي "القيمة" فرفعت قيمته علي حساب قيمتنا.. وهنا نكون قد دخلنا إلي منطقة الخطر.
في حادث الواحات.. أثيرت ضجة واسعة حول الضحايا المكسيكيين الذين لقوا مصرعهم.. وضرورة إجراء تحقيق سريع وشفاف لكشف ملابسات الحادث وكيف مات هؤلاء الضحايا ومن المسئول.. وتحدث كثيرون عن حق هؤلاء المكسيكيين في أن نقدم لهم اعتذاراً وتعويضات عادلة.. لكن هل تحدث أحد عن المصريين الذين لقوا مصرعهم في الحادث نفسه والذين أصيبوا؟!
هؤلاء المصريون حتي وإن أخطأوا أو قصروا سيظلون مواطنين لهم كل الحق في أن تهتم بهم الدولة وتتحري الدقة من أجلهم كما فعلت المكسيك مع أبنائها.. ومن حقهم أن تجري تحقيقات شفافة ويقدم لهم الاعتذار والتعويضات بالضبط مثل المكسيكيين إن لم يكن أكثر.. لأنهم- ببساطة- أسياد في وطنهم.
نحن نتغني كثيراً بالشعب المعلم.. صاحب الارادة والكلمة العليا..وقامت ثورة 25 يناير من أجل العيش والحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية.. ويجب ان تترجم هذه الشعارات علي أرض الواقع.. يجب أن نري تغييراً حقيقياً في احترام كرامة المواطن المصري بنفس الدرجة التي تحترم بها كرامة الأجنبي.
ثم إن العالم من حولنا لن يقيم لنا وزناً إلا إذا أدرك أن كرامة المواطن المصري تعلو في وطنه ولا يعلي عليها. وحينما يحترم المصري في وطنه ويحصل علي حقوقه كاملة سوف يحترم في الخارج فالبداية من هنا.