المساء
مؤمن الهباء
لابد من المحاسبة



أياً كان موقفك من نادي الزمالك.. وأياً كان موقفك من ظاهرة الألتراس.. فإن ضميرك الإنساني لا يمكن أن يسمح لك بأن تتجاهل جريمة قتل بشعة راح ضحيتها حوالي أربعين شاباً بغير ذنب اقترفوه أكثر من أنهم ذهبوا لمشاهدة مباراة رياضية وتشجيع ناديهم.. ولا يمكن أن يسمح لك ضميرك الإنساني بتبرير الجريمة بأي مبرر حتي تمر دون عقاب أو حساب. وتكون النتيجة إحساس القاتل بالأمان والثقة. فيزداد قتلاً وعربدة.
لقد بكينا شهداء ألتراس أهلاوي في مجزرة بورسعيد. وانقلبت الدنيا وقتها رأساً علي عقب. ولكن لم يحاسب أحد حتي الآن.. وبكينا أبناءنا شهداء الجيش والشرطة الذين تزهق أرواحهم برصاص الإرهاب الغادر كل يوم. وهم يؤدون واجبهم الوطني.. وبكينا شهداء المظاهرات السلمية الذين يقتلون في الشوارع لأنهم فقط خرجوا يعترضون ويهتفون.. وبكينا شهداء حوادث الطرق والقطارات والعبَّارات. الذين يُقتَلون بدم بارد. ولم يتحقق لهم القصاص المنشود.
فهل كتب علينا أن نبكي في كل أيامنا.. وأن نعيش حداداً دائماً.. نخرج من كارثة إلي كارثة.. والدم يحيط بنا من كل جانب.. ونحن نعرف أنه كله دمنا جميعاً.. دم واحد.. هو الدم المصري؟!
وماذا دهانا؟!.. كيف أصبح دمنا رخيصاً إلي هذا الحد.. وكيف تبلدت مشاعرنا. وصار منظر الدم عندنا اعتيادياً؟!.. وخروج الجثامين من مشرحة زينهم صورة مألوفة.. ونحيب الأمهات والآباء والأبناء في الجنائز مشهد لا يؤلمنا. ولا يغيرنا؟!
هناك شيء ما في شخصيتنا أصبح غير سوي. ويحتاج إلي تعديل سريع.. لابد أن نعترف بذلك. قبل أن يأخذنا التيار إلي ما هو أبعد مما نحن فيه.. وأسوأ مما نحن فيه.. إن أخطر ما في جريمة قتل الألتراس. ليس فقط وقوع هذا العدد الكبير من الشهداء الشُبان. وإنما الرغبة البادية في التهوين منها وتمريرها بدون حساب.. حتي تسير الحياة طبيعية. وكأن شيئاً لم يكن.
ليس مهماً كيف قُتل هؤلاء الشبان.. هنا يستوي الرصاص مع الخرطوش مع الغاز مع سلاح الإهمال وعدم التنظيم.. المهم أنهم قتلوا وأزهقت أرواحهم البريئة.. والمهم أيضاً أن هناك جهة أو جهات مسئولة عن هذا القتل. لابد أن تحاسب وتعاقب حتي يدرك المصري أن له ثمناً وكرامة في وطنه.. وأن أرواح الشباب كانت تستحق أن توقف المباراة.. مجرد أن توقف من أجلها.
هناك من دعا مشجعي الزمالك إلي استاد الدفاع الجوي جميعاً ووعدهم بالدخول دون تذاكر.. وهناك من تقع علي عاتقه مسئولية ترتيب وتنظيم دخول هذه الأعداد الهائلة حتي من قبل أن يراها.. وهناك من تصدي للشباب بطريقة خاطئة وحشرهم كالأغنام ليموتوا.. ومن لم يمت بخنق الغاز. مات بخنق الزحام.. تعددت الأسباب والموت واحد.. ولكن يجب في النهاية أن يحاسب كل من تورط في هذه الجريمة. ويعاقب بكل شفافية حتي تستريح الخواطر وتهدأ الأرواح.
والعيب كل العيب أن تخرج الوجوه الكريهة ــ المرفوضة شعبياً ــ علي الشاشات لتمارس لعبة التمويه والتعتيم.. وتلقي علي الجماهير الغاضبة مخلفاتها العقلية العفنة. متصورة أنها بذلك تخدم النظام. هي لا تدري أنها تمارس أحط وأقذر جريمة.. ليس ضد الشهداء الأبرياء.. وليس ضد الجماهير الغاضبة.. وإنما ضد النظام الذي تدعي أنها تخدمه.. كالدبة المعروفة التي قتلت صاحبها.
الناس لن تنسي ولن تهدأ إلا بإجراءات حاسمة شفافة لمعاقبة القتلة والمسئولين عن الجريمة جميعاً.. من أكبر رأس إلي أصغر رأس.. ولا تتركوا الأحزان والأحقاد تضطرم وتتراكم في النفوس حتي تنفجر بما لا يحمد عقباه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف