الوطن
نشوى الحوفى
سمك.. لبن.. ديمقراطية
سألنى «جيمس زغبى»، الكاتب السياسى الأمريكى ذو الأصول اللبنانية العام الماضى، أثناء إدارته لجلسة كنت المتحدثة فيها فى واشنطن، عما تعنيه كلمة ديمقراطية بالنسبة لى ومن وجهة نظرى المؤيدة لـ30 يونيو. فأجبته بالقول إن علينا فى البداية توصيف كلمة ديمقراطية، وما إذا كانت تعنى بالمنطق الأمريكى حصر التنافس بين حزبين يرفع أحدهما شعار «الفيل» والآخر شعار «الحمار»، فلا يأتى رئيس لأمريكا إلا من خلالهما، كما حصرت المواطن الأمريكى فى دوائر القروض والطقس وحياته اليومية فباتت مشاركته شكلية؟ أم أنها تعنى بالمنطق الأوسع للبشرية فعل ما توافقت عليه الأغلبية أياً كان قبول أو رفض الآخرين وتوصيفهم له؟ وأكملت له بأن المشكلة الأمريكية تتلخص فى احتكار العالم حتى فى المفاهيم وتعريفها، ولذا يكون الحكم على الأمور دوماً من منطلق أمريكى لا من منطلق بشرى. وأضفت له متسائلة: «من قال لك إننى وغيرى لا نحلم بمستوى معيشة وحياة قائمة على الفكر المؤسسى كما تفعلون؟ ولكن هذا الحلم يتطلب لتنفيذه رفع الوعى والقضاء على الجهل والبطالة وإيجاد فرص للتنمية بين المصريين».

وجدتنى أتذكر تلك المناقشة اليوم وأنا أتابع المشهد المصرى على جميع المستويات والتصريحات، لأوقن أن احتكار المفاهيم ليس مشكلة أمريكا فقط، ولكنه فعل يمارسه كل صاحب قوة أياً كان مصدرها: السياسة - الإعلام - الدين - القبلية - الثقافة، بالإضافة لغياب الفهم الحقيقى لما نسعى له فصارت الديمقراطية اسماً بلا مضمون يتراجع أمام أحاديث النخبة وتصريح النية الحسنة وغياب الوعى لأدوار الإعلام وأصحاب الأبواق والأصوات العالية. وقد كنت وما زلت من المؤمنين بأن الديمقراطية تعنى دولة المؤسسات لا الفرد. تلك المؤسسات القادرة على منح الخدمة للمواطن بمواصفات الكفاءة والإجادة ومن دون تمييز بين غفير وأمير، بالإضافة لوضع الرؤى والخطط وجدول التنفيذ والتقييم والمحاسبة بشفافية دون الإخلال بالدولة وحقوقها وأمنها. ولذا آمنت أيضاً بأن شرط تحقيق الديمقراطية هو حضور الوعى الوطنى وتغييب المصالح والأهواء الشخصية لدى الجميع لإعلاء كلمة الوطن ودعم مصالحه، أياً كانت تحديات الاختلاف.

وللأسف لا أجد مفاهيم الاحتواء لدى الكثير ممن يسمون نخبة فى بلادى بشكل يقود لتشكيل الوعى والرأى فى لحظة فارقة من تاريخ مصر. فلا يعرفون التوحد من أجل هدف أو النضال من أجل فكرة، أو تغليب المنطق من أجل الصالح العام. يتعاملون بمفهوم الشخصية الأنوية المتمحورة حول ذاتها يعتقدون فى إنصات الشعب إن تحدثوا وغباء من لم يفهم تغير مواقفهم بين ليلة وضحاها إن هم فعلوا! فيطغى على سلوكهم التعالى وهم يتحدثون للناس ليل نهار عن الديمقراطية وقبول الآخر دون أن يُبدوا بعضاً من ذلك.

ليست النخبة فقط من تتعالى على التواصل الحق والتسويق الواضح للأفكار بمنطق المشاركة فى الدفع للأمام فى ظل طموح شعبى بأن يرى مصر «أد الدنيا» واقعاً ملموساً، ولكن للأسف تمارسه أيضاً إدارة الحكم فى بلادى -حكومة ورئاسة- بالكثير من المبررات التى تمنح الفرص للمشككين ومروجى الشائعات ومفسرى القرارات وفقاً للأهواء، فتترك الناس صرعى أفكار تتجاذبهم وسؤال واحد يتردد «أين الحقيقة؟» بينما فى إمكان عناصر من تلك الإدارة تولى التواصل القائم على الفهم والرغبة الحقيقية فى إرسال واستقبال المعلومة من وإلى الجميع. مع منح القائم على اتخاذ القرار فرصة اتخاذه بما أتيح له من بيانات فيتحمل المسئولية كاملة مدعوماً بإرادة جماهير واعية اختارت الوطن قبل أن تختار أنفسها. ولنا فى قانون الخدمة المدنية ذكرى، ولنا فى حديث الرئيس عن كتابة الدستور بحسن النية، مثل.

نحتاج لأن ندرك جميعنا أن الأشخاص زائلون من الحياة وتبقى الأوطان وما حققناه فيها من إنجازات. نحتاج لأن نعرف أننا لسنا فى معركة من يفوز بالوطن وناسه، ولكن معركة من أجل بقاء وارتقاء الوطن وناسه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف