المساء
محمد جبريل
قصر بشتاك.. ومتحف نجيب محفوظ
في صراع مدعي وراثة نجيب نحفوظ. تعددت اختياراتهم للموضع الأجدر بمتحف أديبنا العالمي. والصفة حقيقية وليست زعما سخيفا لأنصاف الموهوبين. أو متسلقي الشهرة.
إذا كانت أجزاء من قصر بشتاك قد تعرضت لانهيار في اليوم نفسه الذي أعلن فيه رئيس الوزراء موافقته علي اختياره مكانا لمشروع متحف محفوظ. تلبية لإلحاح مدعي وراثة عبقري الرواية العربية. الذي لو أنك سألته عن حدث أو شخصية في أعمال نجيب محافظ فلعله يحدثك عن فوائد ترطيب البشرة بالكريمات.
البيت أثري. يناسب المسميات التي اختارها محفوظ لثلاثيته: بين القصرين. قصر الشوق. السكرية. اختيار لا يخلو من معني. المعني الأهم الذي لم يشر إليه الورثة أن قصر بشتاك هو الموضع الذي تخيله نجيب محفوظ بيتا لأسرة أحمد عبد الجواد. تطل أمينة من وراء مشربياته. تنتظر أوبة زوجها آخر الليل. تحمل المصباح. تنير له السلم. وتودع بنظراتها - كل صباح - رجال الأسرة في انصرافهم إلي أعمالهم ومدارسهم. وثمة السبيل الرخامي في المواجهة. يتفرع إلي جانبيه شارعا بين القصرين والنحاسين. وعلي الجانبين دكاكين ومقاه نعمت المرأة بالونس من صخب روادها في هدأة الليل. وظلت عينا عائشة تتسللان من ثقوب المشربية إلي ضابط نقطة بيت القاضي الشاب. حتي فاجأتها خديجة بالدندنة: يابو الشريط الأحمر.. قتلتني ارحم ذلي.. ثم رفض أحمد عبد الجواد أن يصاهره أحد - ولو كان ضابطا - ما لم يكن هو المقصود بالمصاهرة: أنا.. أنا.. أنا. والتعبير للأب المستبد الجميل.
أشياء مهمة كثيرة يمثلها موقع القصر الأثري. من الواضح - فيما أعلنه أصحاب الاختيار - انه غاب عن أذهانهم. وأن الطرافة هي الباعث الوحيد للاختيار.
قصر بشتاك اختيار عشوائي. لكنه المكان الأنسب لمتحف نجيب محفوظ. ولعلي أقترح أن يجتمع مدعو الوراثة علي كلمة سواء. من أجل إقامة متحف يليق باسم صاحب التركة. وليس من أجل تطلعاتهم الشرهة إلي البقاء تحت الضوء ولو بالوجود الشخصي بديلا للوجود الإبداعي والفكري.
الأرقام التي خصصت - فيما نشر - لإقامة المتحف. تستطيع وزارة الثقافة أن تفيد منها في تحقيق الهدف النبيل. بعيدا عن المزايدات الرخيصة. بترميم المبني الأثري. وتخصيصه بالكامل متحفا لكل ما يسلط الضوء علي المسيرة الرائعة لمحفوظ. التي أضافت - بجدارة - إلي إسهامات التراث الإنساني. وهو ما تكرم به دول العالم المشاعل من مبدعيها. لا أهمل الدور المصري في الاحتفاء برموز الثقافة المعاصرة. مثل شوقي في كرمة ابن هاني. وطه حسين في فيلا رامتان. وقصر ثقافة يوسف إدريس في البيروم. فضلا عن متحف الروائي الكبير الراحل محمد عبد الحليم عبدالله الذي شيدته أسرته علي نفقتها في مدينته كفر بولين. وثمة - خارج الحدود - متاحف شكسبير وتشيخوف وجوتة وطاغور وتولستوي وهمنجواي وكازنتزاكس وعشرات من رموز الإبداع العالمي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف