الصباح
ياسر ثابت
المعلومات لا تكذب والوزارات تتجمل من أين يأتى رؤساء الوزارة والوزراء فى مصر؟
> 4 مهندسين تولوا رئاسة الوزارة بعد ثورة 25 يناير، اثنان منهم فى عهد السيسى
> كل رؤساء الوزارة فى عهد ناصر كانوا من الضباط الأحرار باستثناء صدقى سليمان
> السادات عين دبلوماسيًا وأستاذ اقتصاد وضابط شرطة كرؤساء وزارة
> مبارك كان مولعًا بأساتذة الاقتصاد وفؤاد محيى الدين كان السياسى الوحيد

سؤال مهم.. من أين يأتى الوزراء فى مصر، وسؤال أهم من أين يأتى رؤساء الوزراء فى مصر.
السؤال سببه الضجة التى صاحبت اختيار شريف إسماعيل كرئيس للوزراء فى مصر.. ثم الأزمة الأخرى الخاصة باختيار الوزراء وعدم وجود مرشحين جاهزين للمناصب.. واعتذار الكثيرين عن المنصب الذى يعرض عليهم بين ليلة وضحاها.
قبل الثورة وفى العهد الليبرالى كانت من رجال السياسة والقانون وفى عهد الرئيس عبدالناصر تولى رئاسة الوزارة سبعة رؤساء وزارة باستثناء عبدالناصر نفسه الذى تولى رئاسة الوزراء أكثر من مرة لم يكن بينهم سوى مدنى واحد هو د. نور الدين طراف من أكتوبر 1958 وحتى سبتمبر 1960.. فيما عدا ذلك كان كل رؤساء الوزارة من رفاق عبدالناصر فى تنظيم الضباط الأحرار حيث توالى على رئاسة الوزارة كل من كمال الدين حسين وعلى صبرى وزكريا محيى الدين واللواء صدقى سليمان «مهندس» وانتهت حقبة حكم عبدالناصر وهو نفسه يتولى رئاسة الوزارة.
فى عهد السادات كان رؤساء الوزارة خليطًا حيث تولى فى البداية د. محمود فوزى وزير الخارجية رئاسة الوزارة وهو دبلوماسى، وتبعه عزيز صدقى وهو مهندس، ثم د. عبدالعزيز حجازى وهو أستاذ اقتصاد، ثم ممدوح سالم وهو ضابط شرطة ووزير داخلية ثم د. مصطفى خليل والغريب أن السادات توفى أيضًا وهو رئيس للوزراء مثل عبدالناصر تمامًا.
أما فى عهد الرئيس الأسبق مبارك ففقد تولى هو الوزارة لفترة محدودة ثم جاء فؤاد محيى الدين وهو طبيب ذو تاريخ سياسى طويل ثم الفريق كمال حسن على وهو من أبطال أكتوبر ثم على لطفى ود. عاطف صدقى ثم د. كمال الجنزورى ثم د. عاطف عبيد وكلهم من أساتذة الاقتصاد فى تخصصات مختلفة وانتهى حكم مبارك وأحمد نظيف أستاذ هندسة الاتصالات رئيسًا للوزراء.
وكانت المفارقة أن ثلاثة من رؤساء الوزارة بعد ثورة يناير كانوا من المهندسين وكان أولهم د. عصام شرف وهو أستاذ لهندسة النقل ثم المهندس إبراهيم محلب رئيس المقاولون العرب، ثم المهندس شريف إسماعيل وهو أيضًا مهندس بترول.ليتساءل البعض عن سبب صعود نجم خريجى كلية الهندسة فى مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير، خاصة إذا تذكرنا رئيس الوزراء الأول بعد ثورة 25 يناير، د. عصام شرف.
وفـى واحد من التعديلات الوزارية فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ارتفعت أسهم هندسة القاهرة، وخروجـًا على التقاليد التى جرت عند اختيار وزير الرى طوال السنوات الماضية، جاء د.أحمد نظيف فـى 11 مارس 2009 بوزير من خارج الوزارة، وهو د. محمد نصر الدين علام ابن هندسة القاهرة وأستاذ هندسة شبكات الرى، حيث اعتاد العاملون فـى الوزارة وقياداتها على تعيين وزير من داخل الوزارة، وهو ما حدث مع د. عصام راضى ود. عبدالهادى راضى وأخيرًا د. محمود أبو زيد.
ونصر الدين علام أستاذ بهندسة القاهرة، التى تخرج فيها نظيف، وتردد أنهما ابنا دفعة واحدة. هكذا شكَّلت مجموعة هندسة القاهرة -حينذاك- أبرز لوبى داخل الحكومة، حيث ضمت د. نظيف، ود. طارق كامل، وزير الاتصالات، ود. أحمد درويش وزير التنمية الإدارية، ود. هانى هلال، وزير التعليم العالى. وبانضمام الوزير د. محمد نصر الدين علام، وصل عدد أعضاء هذا اللوبى إلى 5 بينهم رئيس الوزراء فى ذلك الوقت.
فـى 3 يناير 2010 قرر الرئيس حسنى مبارك تعيين المهندس علاء فهمى، رئيس الهيئة القومية للبريد، وزيرًا للنقل والمواصلات، وكان فهمى تولى رئاسة هيئة البريد فـى يناير 2006، وكان يشغل قبلها موقع الرئيس التنفيذى لجهاز تنظيم الاتصالات، لكنه بدأ مسيرته فـى مركز معلومات مجلس الوزراء، قبل أن يتلقى دورات بمجال تكنولوجيا المعلومات فـى الولايات المتحدة، ليتم تصعيده فـى عام 1999 لرئاسة شركة «نايل أونلاين»، وهى إحدى الشركات المصرية للبنية الرقمية.
ارتبط فهمى بعلاقة صداقة قوية مع د. أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء، كما استمد قوته من عضويته باللجنة الاقتصادية بالحزب الوطنى الديمقراطى، بجانب خلفيته العسكرية، حيث عمل لفترة ضابطـًا بالمخابرات الحربية.
بشكل عام، فإن عددًا من وزراء البترول فـى مصر كانوا من أبرز رجال الوزارة قبل أن تُسنَد إليهم حقيبة البترول. ومن هؤلاء المهندس على والى، الذى شغل منصب أول رئيس لمجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للبترول فـى عام 1968، قبل أن يتم تعيينه وزير دولة لشئون البترول والثروة المعدنية فـى مايو 1971.
المهندس أحمد عز الدين هلال، شغل منصب رئيس المؤسسة العامة للبترول للتكرير (هيئة البترول حاليـًا) فـى 4 أكتوبر 1971، قبل أن يتولى أول وزارة مستقلة للبترول فـى مصر فـى أواخر مارس 1973.
فى عهد مبارك، ومن رؤساء مجالس الإدارات، وبالذات فـى قطاع الصناعة، جاء عدة وزراء بينهم المهندس فؤاد أبو زغلة (1982) من شركة الحديد والصلب، ومحمد عبدالوهاب من شركة النصر للسيارات (1984)، وسليمان رضا (1996) من مجمع الألومنيوم فـى نجع حمادى، وتولوا وزارة الصناعة.
وفـى السياحة جاء فؤاد سلطان (1985) من رئاسة بنك مصر إيران، وفـى الإسكان جاء صلاح حسب الله (1993) من رئاسة مجلس إدارة شركة المقاولون العرب.
وفـى الاقتصاد جاءت د. نوال التطاوى (1996) من رئاسة بنك الاستثمار العربى، وجاء محمود محمد محمود من رئاسة بنك مصر الدولى.
وعلى بساط الحزب الوطنى جاء وزراء إلى الحكومة، فقد اختير د. على لطفـى للوزارة وكان رئيسـًا للجنة الاقتصادية فـى الحزب الوطنى، وجاء د. إسماعيل سلام من رئاسة اللجنة الصحية إلى مقعد وزير الصحة (1996)، وبالمثل جاء د. حلمى الحديدى من منصب الأمين العام المساعد للحزب إلى المقعد نفسه (1985).
وقبل ذلك، هبّت على الحكومة رياح رجال الأعمال.
على سبيل المثال، فإن حكومة د. نظيف الثانية ضمت كلًا من وزير السياحة زهير جرانة الذى يمتلك وأسرته شركة سياحة كبرى ومجموعة من الفنادق، ووزير النقل محمد لطفـى منصور وهو وكيل عدة شركات أبرزها «جنرال موتورز» فـى مصر، ووزير الصحة حاتم الجبلى الذى له حصة فى أكبر المستشفيات الاستثمارية فـى مصر «دار الفؤاد»، ووزير الزراعة أمين أباظة الذى يعد من أبرز مصدرى القطن المصرى، وظل رئيسـًا لاتحاد مصدرى القطن حتى عام 2005.
وفضلًا عن كونهم من رجال الأعمال البارزين، فإنهم أبناء أسر مصرية معروفة، كما أن بعضـًا منهم أبناء لوزراء سابقين‏، فمثلًا وزير السياحة زهير جرانة، هو حفيد زهير جرانة باشا الوزير سابقـًا فـى عهد الملك فاروق، ووزير الصحة حاتم الجبلى، هو ابن وزير الزراعة الأسبق مصطفى الجبلى، وأمين أباظة وزير الزراعة‏، هو سليل «الأسرة الأباظية» الشهيرة التى قدمت شخصيات مرموقة فـى السياسة والفن والأدب وهكذا ضمت حكومة د. نظيف الثانية أبناء ثمانى عائلات عريقة، تأتى فـى مقدمتها عائلات أباظة ومحيى الدين (د. محمود محيى الدين وزير الاستثمار) وغالى (د. يوسف بطرس غالى وزير المالية)، وانضم هؤلاء إلى وزيرى الصناعة والتجارة (رشيد محمد رشيد) والإسكان (أحمد المغربي) والذى كان مسئولًا عن حقيبة السياحة فـى التشكيل الأسبق.
كان مبارك مغرمًا باختيار وزراء ذوى خلفية أكاديمية، ومن نواب رؤساء الجامعات البارزين جاء د. أحمد هيكل للثقافة (1985)، ود.أحمد فتحى سرور للتربية (1986)، وأحمد سلامة للحكم المحلى (1986)، ود. محمود حمدى زقزوق للأوقاف (1996)، ومحمد ناجى شتلة للتموين (1983). أما من رؤساء الجامعات فقد جاء د. عادل عز رئيس أكاديمية السادات لوزارة البحث العلمى (1986)، ود. مفيد شهاب رئيس جامعة القاهرة لوزارة التعليم العالى (1997).

وللصداقة دورٌ فـى التوزير.
واستفاد د. عاطف صدقى من شلة باريس، وبينهم د. أحمد فتحى سرور (التربية) ود. محمد الرزاز (المالية) وفاروق حسنى (الثقافة). فأما د. سرور فقد فشل فـى موقعه كوزير للتربية فـى الفترة من 11 نوفمبر 1986 إلى 12 ديسمبر 1990، وقيل أيامها إنه صاحب بدعة الدفعة المزدوجة التى ضاعفت من قوة الدروس الخصوصية وأباطرتها فـى مصر.
أما د. الرزاز فقد كان صديقـًا مقربـًا من د. صدقى حتى قبل الوزارة، وكثيرًا ما كانا يقضيان أوقات فراغهما فـى لعب الطاولة (النرد). والطريف أن د. الرزاز كان أول من استدعاه د. صدقى عندما علم بنبأ تكليفه بتشكيل الحكومة فـى مطلع يناير 1986، وجلس معه نحو نصف ساعة فـى مجلس الوزراء قبل أن يتوافد عدد من الوزراء الذين اشتموا رائحة التغيير الوزارى ورأوا أنه من الضرورى أن يذهبوا إلى د.صدقى لمعرفة الخبر اليقين!
والأمر كما رأى الجميع فـى حال الوزير «الفنان» فاروق حسنى، الذى ارتبط عهده -كوزير- بالكوارث، بدءًا من عام 1987 بحريق قصر ثقافة بنى سويف (2005) وحريق المسرح القومى (2008)، وقضايا الآثار الكبرى وتهريب الآثار للخارج، وسرقة المتحف الإسلامى والمتحف المصرى ودار الكتب.
ومن المحافظات أيضـًا يخرج الوزراء، حيث إن نجاح المحافظ فـى أداء مهامه أو بروز اسمه إعلاميـًا قد يزكيه للعمل الوزارى بشكل تلقائى، وهو ما حدث لأول مرة فـى حالة محمد صبرى زكى محافظ أسوان الذى اختير وزيرًا للصحة (1982)، ثم حدث فـى حالة يوسف صبرى أبو طالب محافظ شمال سيناء الذى اختير وزيرًا للدفاع (1982)، وفـى حالة سعد الدين مأمون الذى اختير وزيرًا للحكم المحلى (1983) من منصب محافظ القاهرة، وهو ما حدث أيضـًا مع د. محمود شريف (1991) بالترتيب نفسه.
وقد اختير ناجى شتلة فـى الوقت نفسه وهو محافظ كفر الشيخ وزيرًا للتموين (1993). كما حدث هذا مع أحمد جويلى محافظ الإسماعيلية الذى اختير وزيرًا للتموين فـى أغسطس 1994. وفـى 27 أغسطس 2006 صدر قرار جمهورى بتعيين محمد عبدالسلام المحجوب إبراهيم وزير دولة للتنمية المحلية، وقد كان من أبرز من تولوا منصب محافظ الإسكندرية (1997-2006) واكتسب شعبية ضخمة، حيث بدأ ورشة من إعادة البناء والصيانة لعدد كبير من منشآت ومرافق المدينة العامة، ومنها كورنيش الإسكندرية الشهير. وتكررت مسألة التوزير مع ثلاثة محافظين لأسيوط اختيروا وزراء للداخلية وهم زكى بدر (1986) ومحمد عبدالحليم موسى (1990) وحسن الألفـى (1993).
أما فى عهد محمد مرسى، فقد جاءت حكومة د. هشام قنديل فى أغسطس 2012 لتجمع فى تشكيلها بين السياسيين والعسكريين ورجال الأعمال والتكنوقراط والبيروقراط، حيث ضمت 6 سياسيين و3 عسكريين و4 رجال أعمال و9 تكنوقراط و14 بيروقراط.
افتقد تشكيل هذه الحكومة سمة التمثيل لمختلف التيارات السياسية؛ إذ خلت من أى ممثل للتيارات الليبرالية أو اليسارية، وضمت 27 وزيرًا غير مصنف سياسيـًا وتسعة إسلاميين، بينهم عدد من المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين أو الموالين لها، مثل د. أسامة ياسين الأمين العام المساعد لحزب الحرية والعدالة التابع للإخوان، وقد اختير لتولى وزارة الشباب، ووزير الإعلام صلاح عبدالمقصود الذى يعد وزيرًا إخوانيـًا حتى النخاع؛ إذ لم يعمل يومـًا خارج منظومة الجماعة. بدأ عمله فى الصحف الرئيسية للتيار الإسلامى فى أواخر السبعينيات مثل «المختار الإسلامى» و«الاعتصام» و«النور» و«البشير» و«اللواء الإسلامى»، ومعظمها إصدارات إخوانية. كما تولى منصب المستشار الإعلامى لحملة محمد مرسى خلال فترة الانتخابات الرئاسية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف