وائل لطفى
حكومة شريف إسماعيل بطعم حكومة محلب
*المتشائمون سيرون أن نصف الحكومة لم يتم تغييره، والمتفائلون سيرون أن نصفها قد تم تغييره بالفعل
*شائعات العلاقة مع محمد فودة لم تكن هى معيار البقاء أو الذهاب من الحكومة والدليل اختيار رئيس الحكومة نفسه
*الاستعانة بعدد كبير من أساتذة الجامعات تعنى عدم صلاحية عناصر البيروقراطية المصابة بالترهل والمضروبة بالفساد
*لابد من وجود فلسفة واضحة فى اختيار رؤساء الوزارة والوزراء، وأن تكون هذه الفلسفة معلنة ومفهومة للناس
*ليس عيبًا أن يتولى الرئيس رئاسة الحكومة إذا لم يجد من يصلح للمنصب وعبد الناصر والسادات توليا رئاسة الحكومة أكثر من مرة
*لابد من وجود مصدر واضح لتربية الكوادر الإدارية والسياسية، وربما يكون برنامج تأهيل الشباب هو الحل
*«العصار» وحلمى النمنم و«العجاتى» وسحر نصر ونبيلة مكرم من الوجوه الواعدة والمطمئنة فى الحكومة الجديدة
إذا كنت من المتشائمين من الحكومة الجديدة فسترى أن معظم الوزراء لم يتغير فى هذه الحكومة، وأنه لاشئ جديد تحت الشمس، أما إذا كنت من المتفائلين فسترى أن نصف عدد وزراء الحكومة تقريبًا قد تم تغييرهم (16من إجمالى 33).
والحقيقة أن الأمر لا يستدعى تشاؤما أو تفاؤلا ولكن فقط يستدعى الإذعان للأمر الواقع والذى يقول إنه ليس فى الإمكان أحسن مما كان، وأنه لا الظرف الذى تشكلت فيه الحكومة، ولا المناخ السياسى السائد كان يسمح بطريقة أفضل، فالكثيرون اعتذروا عن تولى الوزارة فى هذه الظروف، إما لأنهم يخمنون أنها وزارة مؤقتة سيتم تغييرها بعد انتخاب مجلس النواب القادم، أو لأن منصب الوزير فى مصر بعد ثورة 25يناير لم يعد مغريًا بشكل أو بآخر لأسباب متعددة، أو لأن عددًا ممن تم ترشيحهم بالفعل استبعدهم الرئيس والأجهزة الرقابية سدًا للذرائع وبعدًا عن الشبهات وتوخيًا للحيطة والحذر
ولعل أول ملاحظة تطرأ إلى ذهنك بعد مطالعة أسماء أعضاء الوزارة الجديدة هو كذب ما نشرته كل الصحف والمواقع الالكترونية خلال الأسبوع الماضى، حيث انطلقت هذه الصحف تشكل حكومة من خيالها، وتقيل –فى خيالها –وزراء اتضح أنهم مستمرون، وترشح –من خيالها –أيضا أسماء اتضح أنها لم يكن لها فى مقعد الوزارة نصيب، ولا يعنى ذلك سوى أمرين.. أولهما أن الترشيحات كانت من محض خيال وسائل الإعلام أو المصادر التى أمدتها بالمعلومات.. وثانيهما أن حركة اضطراب واسعة قد شابت تشكيل الحكومة، وأن الرئاسة اعترضت على عدد كبير من الترشيحات، مما أدى فى النهاية إلى استوزار عدد ممن يمكن أن نطلق عليهم وزراء اللحظة الأخيرة، وغالبًا فقد حدث هذا بالفعل
وبدون أن نشرع فى (تكسير مجاديف) الحكومة الجديدة، يمكننا أن نقول إنها استمرار لحكومة محلب مع تغيير فى الوزارت التى أثار وزراؤها مشاكل فى أدائهم وبالذات الوزارات الخدمية مثل: التعليم والتعليم العالى والصحة والاتصالات، أما ما عدا ذلك فينطبق عليه المثل القائل بأن (أحمد مثل الحاج أحمد) فرئيس الوزراء الجديد مثل رئيس الوزراء القديم مهندس نجح فى اختصاصه، وفى مجال عمله، فخلق هذا تصورًا بأنه يمكن أن ينجح على نطاق أوسع فتمت ترقيته من وزير لرئيس وزراء، ورغم أن هذا التصور لم ينجح فى حالة المهندس إبراهيم محلب إلا أنه تمت إعادته حرفيًا فى حالة المهندس شريف إسماعيل، رغم أن القاعدة المنطقية تقول إن المقدمات المتشابهة تؤدى إلى نتائج متشابهة.
***
أما الملاحظة الثالثة فى تشكيل الحكومة فهى أنها تجمع بين عناصر بيروقراطية (موظفون كبار فى الوزارات) وبين عناصر من التكنو قراط (أساتذة جامعات وخبراء فنيون)، فوزير الصحة أستاذ جامعى، كان عميدًا لطب عين شمس، ووزير التعليم أستاذ فى الإدارة التعليمية، ووزير التعليم العالى كان رئيسًا لجامعة الزقازيق، بينما وزير التنمية المحلية لم يكن محافظًا فى يوم من الأيام بل هو أستاذ فى الهندسة ووزير تعليم سابق فى حكومة نظيف)، والمعنى الإجمالى هنا أنه تم الاستعانة بأساتذة جامعات من خارج الجهاز البيروقراطى للدولة، أما لعدم وجود عناصر صالحة داخل هذا الجهاز الذى أصابه الترهل، وضربه الفساد، أو لأن العناصر الموجودة بداخله فى بعض الوزارات تحاوطها شبهات مالية وإدارية تجعل من الأفضل الاستعانة بأساتذة جامعات وبعناصر من خارج هذه الوزارات لتوليها.
ملاحظة رابعة تتعلق بغياب أى تفسير رسمى لفلسفة الاختيارات وطريقتها وما الذى يحكم بقاء هذا الوزير، وما الذى يرجح الاستغناء عن غيره، وينطبق هذا على كثيرين بما فيهم رئيس الوزراء السابق نفسه، حيث قالت تكهنات أن انسحابه من المؤتمر الصحفى فى تونس كان سببًا كافيًا لخروجه من الوزارة، فى حين قالت تكهنات أخرى أن تسرعه فى إصدار بيان يبرئ وزرائه من الاتهام بالفساد قبل وصول الرئيس من رحلته للصين ودون انتظار رأى جهات التحقيق كان هو السبب !
ينطبق الأمر نفسه على وزراء المجموعة الاقتصادية فالكثيرون يرون أن أداء وزراء المجموعة الاقتصادية ليس هو الأفضل، وقد قيل إن وزير الاستثمار أشرف سالمان تسبب فى كارثة للبورصة المصرية حين أعلن عن نية الحكومة لتخفيض سعر الجنيه أمام مؤتمر اليورو، وهو ما أدى لتدافع المصريين لاكتناز الدولار وهبوط أسهم البورصة، ومع ذلك استمر الوزير فى الوزارة الجديدة دون تفسير من أى نوع
فودة ليس سبب تغيير الحكومة
وعلى خلاف ما أثير فى الصحف ووسائل الإعلام فى الأسابيع الأخيرة، فالتورط مع محمد فودة لم يكن هو السبب فى استبعاد وزراء وبقاء آخرين أو لعل هذا هو ما ستكشف عنه الأيام القادمة، ولو كانت العلاقة الشخصية مع فودة مبررًا للاستبعاد من الوزارة لكان أول المستبعدين هو رئيس الوزراء الجديد نفسه الذى ملأت صوره مع فودة الصحف عقب الإعلان عن تكليفه بتشكيل الوزارة الجديدة، وهو نفس ما ينطبق على وزير الأوقاف وعدد آخر من الوزراء، الذين يبدو أن التحريات الرقابية أثبتت عدم تورطهم بشكل فعلى، وأن علاقتهم بفودة كانت بناء على صفته كإعلامى وصحفى فقط.
ورغم أن الأغلب الأعم من الوزراء الجدد هم من المجهولين للرأى العام، والمعروفين داخل قطاعاتهم فقط إلا أن الوزارة لم تخل من نقاط مضيئة ومن شخصيات يعرفها الرأى العام جيدًا، ويطمئن لوجودها وعلى رأس هؤلاء اللواء محمد العصار مسئول التسليح فى الجيش المصرى وأحد الأسماء اللامعة فى المنظومة العسكرية المصرية وهو وجه يعرفه الرأى العام جيدًا ويطمئن له.
وفى مجال الثقافة كان اختيار الكاتب حلمى النمنم (أحد كتاب الصباح اللامعين)اختيارًا موفقًا للغاية حيث إنه مثقف لامع وصحفى محنك، فضلا عن تدرجه فى مناصب وزارة الثقافة المصرية المختلفة، وهو وزير يستطيع أن ينال ثقة المثقفين المصريين كونه واحدًا منهم بالإضافة إلى فهمه لدهاليز العمل فى الوزارة وإلمامه التام به وانتمائه للمنظومة الثقافية بشكل كامل.
من الاختيارات المبهجة أيضا الوزيرتين نبيلة مكرم شهيد وزيرة الهجرة والتى تأتى من خلفية دبلوماسية وتجمع بين كونها شابة (خريجة 1991 ) وامرأه وقبطية (على طريقة القوائم الانتخابية )، وسحر نصر وزيرة التعاون الدولى وهى مسئولة سابقة فى البنك الدولى وعضو فى المجلس الاستشارى الرئاسى ).
وفى كل الأحوال يبقى طريقة اختيار الوزراء والطريقة الحاكمة للاختيار أهم من أسماء الوزراء أنفسهم، بمعنى أن الرئاسة لابد أن يكون لديها فلسفة فى اختيار رؤساء الحكومة فى مصر وفى اختيار الوزراء، وأن يتم إعلان هذه الفلسفة للرأى العام، فالرئيس عبد الناصر مثلا اختار كل رؤساء الوزارة فى عهده من الضباط الأحرار باستثناء صدقى سليمان وهو أيضا كان لواء مهندس ومسئولا عن السد العالى، فيما عدا ذلك كان رؤساء الوزارة ممن عرفهم فى تنظيم الضباط الأحرار (على صبرى وزكريا محى الدين) أشهرهم .
أما الرئيس السادات فكان يعين رئيس الوزراء حسب المرحلة واحتياجاتها حيث عين الدبلوماسى محمود فوزى فى مرحلة صراعه مع رجال عبد الناصر، ثم عين عبد العزيز حجازى ليطبق سياسات الانفتاح، ثم عين لواء شرطة هو ممدوح سالم فى مرحلة أخرى، ثم د. مصطفى خليل فى مرحلة قرر فيها الصلح مع إسرائيل (ولم يخذله الرجل وذهب معه إلى هناك، والأهم أن كلًا من عبد الناصر والسادات تولى رئاسة الوزراء بنفسه أكثر من مرة حين وجد أن الضرورة تدعو لذلك، أو حين لم يجد أحدًا صالحًا لتولى المنصب، مبارك مثلا فى عقدى حكمه الأولين وقبل أن يتلوث عصره بالفساد عين ثلاثة من أساتذة الاقتصاد وكان رابعهم عاطف عبيد هو سوء الختام، لكن كان لمبارك فلسفة وكان اثنان من هؤلاء من أهم رؤساء الوزارة فى تاريخ مصر (عاطف صدقى وكمال الجنزورى ) المهم هو أن تكون هناك فلسفة للاختيار، وأن يتم العمل بها.
ولعل طريقة اختيار الوزراء تقود مرة أخرى لحديث يرفضه الرئييس وهو الحديث عن ضرورة وجود حزب للأغلبية أو للدولة يكون بمثابة بنك للكفاءات الوزارية ويتم فيه تدريبهم على السياسة بجانب الخبرة الفنية التى يحملونها، وقد حسم الرئيس الأمر أكثر من مرة، حين قال إنه لا يريد أن يكون الحزب سببًا للخلاف بين المصريين، وما لم يقوله الرئيس إنه لا يريد تكرار تجربة الحزب الوطنى، الذى حول مبارك من قائد عسكرى شارك فى النصر إلى رئيس جمهورية يوصم عهده بالفساد، وهو شئ يحمد للرئيس الذى يعرف الجميع حرصه على طهارة يده، ولكن لابد من حل أزمة القيادات فى مصر، ولعل البرنامج الوطنى الذى أطلقه الرئيس مؤخرًا جزءًا من هذا الحل، حيث سيتم اختيار الشباب النابه وتدريبه على مستويات مختلفة، لكن هذا الحل طويل الأمد، وأزمة اختيار القيادات فى حاجة لحل سريع..فما هو الحل؟.