في هذا اليوم المبارك تهفو أرواحنا إلي بيت الله الحرام.. زاده الله تعظيماً وتكريماً وتشريفاً.. وإلي مشهد الحجيج وهم يفيضون من عرفات إلي مكة المكرمة وقد قضوا جزءاً من الليل عند المشعر الحرام في مزدلفة.. تتعطر ألسنتهم جماعات ووحداناً بالذكر والتكبير والتهليل والتلبية.. اليوم يومهم في البيت العتيق.. حيث الكعبة المشرفة ومقام إبراهيم وحجر إسماعيل والصفا والمروة وزمزم الطيبة المطهرة وحمام الحمي وباب السلام.
هنا تسكب العبرات.. وتتنزل الرحمات.. وتمحي الذنوب والخطايا.. وترفع الدرجات.. وتتضاعف الحسنات.. وترتاح النفوس المتعبة.
هنا في مكة المكرمة يسير الحجيج في الدروب والشوارع التي سار عليها محمد صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام.. هنا تلامس أقدامهم الأرض التي مشي عليها محمد وصحابته وهم ينشرون الدعوة سراً ويتهامسون حتي لا يقعوا فريسة في يد طغاة قريش.
هنا مواقع النور التي شهدت نزول الوحي.. وشهدت المعجزات التي أذهلت العقول.. من هنا كان الإسراء.. ومن هنا كانت الهجرة.. "وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون".
هنا كانت صيحة بلال: "أحد.. أحد".. وكان صمود عمار وإسلام عمر.. وفتوة حمزة.. وسلام أبي بكر.. وفدائية علي.
هنا.. وما أدراك ما هنا.. حيث النظر إلي الكعبة عبادة.
هنا بلد الحبيب وذكريات الحبيب في طفولته وصباه ورجولته.. هنا عاش وتزوج وأنجب.. وابتلي وصبر.. وهنا عاد قوياً منتصراً رءوفاً رحيماً.. فلا غدر ولا انتقم.. وإنما غفر ورحم.. وعندما ظن أهل الدنيا أنه قد صار ملكاً متوجاً ردهم عمه العباس: إنها النبوة من هذه البقاع الطاهرة خرج نور الإسلام إلي الدنيا بأسرها ليحرر الناس من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد.. بشعار التوحيد الخالد "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
ومنذ أن عهد الله إلي إبراهيم وإسماعيل بأن يطهر بيته للطائفين والعاكفين والركع السجود وهذا البيت المعمور يزداد مع الأيام ألقاً وطهارة وضياء.. ويتزاحم إليه الطائفون والعاكفون والركع السجود بالملايين.
سلام الله عليكم يا من يسر الله لكم الحج ومن عليكم بزيارة بيته الحرام.. سلام الله عليكم في طوافكم وفي سعيكم.. في صلاتكم وفي ذكركم.. سلام الله عليكم ما أتممتم مناسككم وأرضيتم ربكم ليباهي بكم ملائكته.
سلام الله عليكم ما وليتم وجوهكم شطر مدينة المصطفي لزيارة الرسول الكريم في طيبة الطيبة.. سلام الله عليكم ما استقبلتم أريجها وتنفستم هواءها وشربتم ماءها.. ومشيتم في طرقاتها.. وشاهدتم مآثرها.
سلام الله عليكم ما دخلتم عليه في بيته.. وسلمتم عليه وصاحبيه.. ورد عليكم السلام.. ومنحكم الطمأنينة والأمان.
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه.
فطاب من طيبهن القاع والأكم.
سئلت السيدة عائشة عن خلق النبي فقالت كانت قرآناً يمشي علي الأرض.. وسئل البراء: أكان وجه النبي مثل السيف؟!.. قال: لا.. بل كان مثل القمر.
صلي عليك الله يا علم الهدي ما هبت النسائم وما شدت علي الأيك الحمائم.