الجمهورية
عبد العال الباقورى
ثلاثية سيناء: الأمن والتنمية والتعمير "22"
أهملنا سيناء كثيراً وطويلاً من أبرز جوانب الإهمال. إننا لم نعرفها إلي الآن كما يجب أن تعرف اليوم نحن قادة ومواطنين مطالبون بأن نعرفها معرفة دقيقة وعميقة هذا فرض عين. إن أداه بعضنا لا يسقط عن الآخرين والغريب أن مصادر هذه المعرفة موجودة. ولكنها للأسف مركونة فوق أرفف المكتبات العامة وربما في مخازنها والغريب أكثر أن جزءا من هذه المصادر كتبها مؤلفون ومتخصصون مصريون ولكن بلغة غير العربية وتغطي هذه الكتابات جميع أجزاء سيناء. بكل ما علي سطحها سطح جبالها ووديانها من بشر وشجر وبكل ما في جوف هذه الأرض من معادن وثروات وقد آن الأوان لأن نوجه عملا مخططا لجمع كتاباتنا وكتابات غيرنا عن سيناء. لتكون هذه الكتابات "مكتبة متخصصة عن سيناء" ويقوم بها وعلينا فريق من المتخصصين في شئون سيناء المختلفة قديما وحديثا جغرافياً وتاريخياً هذه مهمة ملقاة حاليا علي جهات متعددة مثل وزارتي الدفاع والثقافة والجامعات ومراكز البحوث وغيرها وغيرها وحين نعقل هذا سنجد بين أيدينا كنوزا في معرفة سيناء وفي التعريف بها مما يمثل في الظروف الراهنة مدخلا ضروريا وأساسيا لمواجهة كل ما يتعرض له المدخل الشرقي لبلادنا من مخططات. بعضها بات واضحا أمام أعيننا وبعضها لم تتضح معالمه بعد.
باختصار وتركيز نحن مطالبون بأن يكون لدينا نسخة أو أكثر من كل كتاب وكل دراسة وكل تقرير ومذكرة أيا كان مصدرها من سيناء وأن تصبح الكتابات العامة عن سيناء متاحة لأي قارئ عادي وبسعر ميسر ومدعم إن هذا مدخل مطلوب وعاجل ونحن نتحدث عنه ونريد تنمية سيناء وأمنها وتعميرها لقد كتب المرء عن هذا من قبل ولن يمل وسيظل يكتب ويكرر الكتابة عن أهمية تجميع مصادر المعرفة بشبه الجزيرة المصرية التي كان البعض إلي عهد قريب يقول إنها مثلا 16 في المائة من مساحة مصر علما بأنها حوالي 6% فقط من مساحتها أي حوالي 60 ألف كيلو متر وهذه مساحة تمثل ثلاثة أمثال مساحة الدلتا مثل هذه المساحة هل تجوز أن تلقي ما لقيته سيناء من إهمال إلي وقت قريب وإن كانت إلي الآن لم تلق ما هي جديرة به من اهتمام من كافة المؤسسات لا يريد المرء أن يبالغ ويقول إننا نريد جامعة متخصصة في شئون سيناء. إننا محتاجون إلي مراكز بحثية متخصصة في جغرافية وفي تاريخ وفي اقتصاد سيناء وفي المجتمع السيناوي حيث تتفرغ هذه العلوم حاليا إلي فروع عديدة.. ولكل تطبيقه في أرض الواقع.
ثلاثية متكاملة
وقد يغلب علي الظن في ظل الظروف الراهنة وما فيها من أخطار علي سيناء أن الأمن أولاً وأنه يسبق تنمية سيناء وتعميرها ويمثل ضمانة لتحقيقها التفكير السليم يقود إلي أن ثلاثية الأمن والتنمية والتعمير ثلاثية متكاملة ومتداخلة وأن كل ركن منها يؤثر في الركنين الآخرين ويتأثر بهما.
إن تنمية سيناء لن تكون علي حساب أمنها بل إنها شرط لتحقيقه وبالمثل فإن عمران سيناء أو تعميرها مدخل لضمان أمنها. كما أن الأمن شرط لابد منه لتحقيق تنمية سيناء وتعميرها.
لذلك كان طبيعيا أن يقرر الرئيس عبدالفتاح السيسي تخصيص عشرة مليارات جنيه لتنمية سيناء في الوقت نفسه الذي يقرر فيه قيادة عسكرية خاصة لمواجهة العدوان الإرهابي علي شمال شرقي سيناء الذي يمثل مدخل شبه الجزيرة التي هي المدخل الشرقي لمصر إدراكا منه بحكم خبرته العسكرية أن الخطر لم يعد مجرد عمليات عسكرية إرهابية يكفي أن تتصدي لها قواتنا المسلحة الباسلة ولكن هذا التصدي يجب أن يكون له جانبه التنموي من ناحية وجانبه العمراني من ناحية أخري حيث التنمية تركز حتي لو كانت شاملة علي الجوانب الاقتصادية أساسا. وحيث يهدف التعمير إلي إسكان الملايين في سيناء.. ولعل المرء يمكن أن يضيف هنا أن التنمية في سيناء والتعمير أيضا يجب أن تكون لهما طبيعة عسكرية. واعتقد أن هناك دراسات وأوراقا تناولت هذا ويجب الاهتداء بها في أي خطوة تنموية أو تعميرية بحيث يمكن البدء بتوطين الشباب الذين أدوا الخدمة العسكرية. وفي قري ومستوطنات ذات طابع عسكري وهناك لا نستفيد فقط من خبرة عدونا وخاصة في نقب فلسطين بل نسترجع خبرة تاريخية لنا في سيناء علي أيدي قدماء المصريين كما ذكر الدكتور عبدالعزيز كامل وزير الأوقاف في عهد عبدالناصر وهو أستاذ جغرافيا أصلا ولعل بناء رفح الجديدة يستوحي شيئا من ذلك فلا تكون مجرد مدينة أو قرية عادية بل تكون وحدة عمرانية معسكرة. بكل ما يرتبط بذلك ويترتب عليه من إجراعات واحتياطات تجعل من هذه الوحدة سور حماية ومع وحدات أخري تمتد من شمال سيناء إلي جنوبها مرورا بالوسط.
ونقطة دفاع ضد أي عدوان غادر بحيث لا تخترقها أنفاق ولا تعيش وتعشش فيها عناصر إرهابية إن مثل هذا التصور يكاد يكون مضادا لما فعلناه ونشرناه من منتجعات وقري سياحية في جنوب سيناء خاصة انه ليس بالسياحة تكون التنمية. بل إن السياحة ومنشآتها هي آخر ما يصلح لسيناء نمطا للتنمية ولعل هذا هو ما اراده العدو حين طرح مقترحا في أحد المؤتمرات لإنشاء ما سماه "ريفيير البحر المتوسط" في إطار الشرق الأوسط الجديد الذي كان شيمون بيريز الرئيس الأسبق للكيان الصهيوني في كتاب حمل العنوان نفسه. وكان سندا ومصدرا لمشروعات أمريكية وإسرائيلية توالت بعد ذلك وفي خضم هذا الضجيج السياسي وازدهار نقطة أو أخري علي سواحل سيناء الجنوبية نسينا أو أنسينا مشروعات تنمية مهمة لسيناء مثل مشروع عامر بعد عدوان 1956 والمشروعات التي طرحت منذ 1973 وبالذات منذ 1982 حينما تغنينا بأن سيناء رجعت تاني لينا وغفلنا عن تسرب الإرهاب إلي المنطقة منذ 2004 بشكل خاص لماذا؟ سؤال إجابته تطول
قبائل سيناء وحقوقهم
في أي حديث عن تنمية سيناء يثور الحديث عن امتلاك أراضيها ومن المعروف منذ القرن التاسع عشر أن الحكومة لا تقر ملكية البدو لأراضي الصحراء وهذه قضية لها جوانب كثيرة وعلي أي حال لا يجوز أن يكون حراما علي بلابله الدوح أي الشجر الكبير المثمر ويكون حلالا للطير من كل جنس وبدو اليوم لم يعودوا بدو أمس لقد تغيرت قوانين ونظم وأساليب حياة ومعيشة أعطت البدوي نفس التي يتمتع بها أي مواطن آخر. في أي بقعة من أرضنا الطيبة. في الوادي والدلتا وفي الصحراء الشرقية والغربية ومن المفروض أن تكون هذه المساواة في حقوق المواطنة ثمرة من ثمار ثورتين مجيدتين في 25 يناير و30 يونيو اللتين كان لبدو سيناء فيهما دور لا يقل عن دور أي جماعة مصرية أخري.. ومن المنطقي بل والضروري أن يكون لبدو سيناء من حقوق وامتيازات في أراضيها مثل الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها أي مواطن آخر. فوق أرض سيناء. فما بالنا وقد حصل إخوة عرب علي مساحات شاسعة من أراضي أرض الفيروز وهنا لا يتردد المرء بناء علي ما يراه من أخطار تحيط بسيناء في الدعوة من اجل ان تكون التنمية فيها مصرية خالصة. وبحيث لا يسمح لأي رأس مال غير مصري بالعمل والاستثمار فيها. بما في ذلك رأس المال العربي.. خاصة ان الأموال تداخلت في عصر العولمة. واصبح يقال إن رأس المال لا جنسية له. كما يقال إن العلم لا وطن له.. هذه تبدو مقولات حق ولكن يراد بها باطل غالبا وبالذات بشأن سيناء التي يجب أن يتحمل أهلها مسئوليتهم تجاه مقاومة الارهاب ونبذ الإرهابيين من صفوفهم وطردهم من بيوتهم ومطاردتهم في جبال سيناء ووديانها حتي لا يجد إرهابي في أي ركن من سيناء مأوي وملجأ.. ويغلب علي الظن أن الغالبية من أهالي سيناء تعرف دورها الوطني وتؤديه علي خير وجه ولن يكافئها إلا ضمان حقوقها كاملة. ولعل هذا ما عناه الرئيس عبدالفتاح السيسي بقوله: التطرف انتشر في سيناء نتيجة سنوات من الإهمال وقد كان هذا الإهمال التربة التي تستغلها قوي مختلفة في محاولاتها لضرب مصر عبر بوابتها الشرقية إن هذه المحاولات تجد جذورها في عدوان 1956 الثلاثي الذي خرجت منه إسرائيل فائزة بالمرور من مضايق تيران في خليج العقبة. وكان الضمان الأمريكي لهذا الفوز وما ارتبط به "ألاعيب" سبقت وادت إلي عدوان 1967 مقدمة لحديث أمريكي من "تدويل سيناء" وقد صدر هذا الحديث في كتاب سبقت الإشارة إليه مرات فقد نشر في 1970 وصدر عن واحدة من أهم الجامعات الأمريكية. وهي برينستون وعنوانه هو "فن الممكن البدائل الدبلوماسية في الشرق الأوسط" ووجه كاتبه وهو يدعي ميخائيل رايزمان الشكر إلي الدكتور ارنج ديفيد الاستاذ بكلية الحقوق في الجامعة العبرية في القدس وهي الجامعة التي افتتحت في 1925 وتهتم في دراساتها الجغرافية والتاريخية بتجربة الفرنجة ومحاولاتهم استيطان فلسطين فيما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلاديين وبتاريخ وجغرافية سيناء بشكل خاص متي نفتح عيوننا علي كل هذا؟ اسلمي يا مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف