قرار الرئيس بالعفو عن 100 سجين من الشباب، الذين أدين بعضهم بخرق قانون التظاهر، لفتة طيبة وبادرة شجاعة، وأرجو أن تكون بداية للعودة إلى مسار جنحت السلطة عنه خلال الأشهر الماضية، وهو مسار احتواء الشباب والتعامل معهم بما يليق بهم، فالشباب هو الوقود الذى حرك التنين المصرى ليثور ضد «مبارك»، الشباب هو من فكر ودبر وتحرك وقدم الشهداء والمصابين، وبدماء هؤلاء دخلت مصر حقبة جديدة من تاريخها، كان الشباب هم السر الأكبر وراء تعديل أى اعوجاج يظهر فى طريقها، مثلما حدث فى 30 يونيو. السلطة الحالية فى مصر تدين لهذا الشباب بالفضل، فلك أن تتخيل كيف سيكون الوضع بالنسبة للكثير من رموز السلطة الحالية لو لم يقم الشباب بثورة يناير، ثم بموجة 30 يونيو 2013؟! وليس هكذا يعامل أصحاب الفضل!.
الإفراج عن الشباب المدان بتهمة خرق قانون التظاهر خطوة على طريق تصحيح مسار، أرى أن من الواجب تصحيحه، ولابد أن تعقبه خطوات أخرى، من بينها الإفراج عن كافة المحبوسين بهذه التهمة العجيبة، والأهم من ذلك إعادة النظر فى قانون التظاهر نفسه، ولو أن السلطة حسبتها بالعقل فستجد أن هذا القانون سبب لها الكثير من الخسائر داخلياً وخارجياً، فعلى المستوى الداخلى أدى إلى أن تخسر الشباب، وتلك خسارة لو تعلمون عظيمة، لأن السلطة ظهرت وكأنها تريد المصادرة على «يناير» وكل ما ينتمى إلى «يناير»، وبدت خارجياً وكأنها تقف ضد حق أصيل من حقوق الإنسان، وهو الحق فى التظاهر، وكانت النتيجة أن تم الخصم من رصيدها على المستويين، والمضحك فى الأمر أنها بعد كل ذلك لم تفلح فى وقف التظاهرات فى الشارع.
فليس فى مقدور أية سلطة أن تكبح أو تمنع الشارع من التظاهر، بغض النظر عن وجود القانون من عدمه، طالما كانت غير قادرة على إرضائه وحل مشاكله والاستجابة لمطالبه. لنا شهور طويلة مع قانون تنظيم التظاهر، ورغم ذلك خرجت العديد من المظاهرات التى تدلل على أن هذا الشعب إذا غضب فلن يوقفه مجموعة من البنود الورقية، لقد نزل آلاف الموظفين وتظاهروا فى قلب القاهرة، ونزل أهالى فيصل والطوابق وقطعوا الطريق الدائرى، حتى تستيقظ الحكومة التى قطعت عنهم المياه لعدة أيام متواصلة، ولعلك تلاحظ أن مظاهرات «الجراكن» تطوق الكثير من المحافظات، ناهيك عن المظاهرات والاعتصامات العمالية من أجل الحصول على الرواتب والحوافز، وبغض النظر عن رؤية الدولة لوجاهة أو عدم وجاهة الأسباب التى تحرك هذه الجموع، إلا أن التظاهر رسخ كأداة للتعبير الشعبى عن الغضب من أداء السلطة. فالمواطن العادى لا ينتظر إذناً أو تصريحاً من السلطة حتى تمنحه حقاً يؤمن أنه ملك يمينه، فما بالك إذا كان هذا المواطن شاباً يؤمن أنه سر التغيير الحادث فى هذا البلد، خلال السنوات الماضية؟ أتصور أن أية سلطة واعية لا بد أن تبحث عن هذا الشباب وتحتويه وتمكنه من القيام بدوره، وأن تستوعب أن من الصعب كبح جماح الأجيال الجديد بأدوات قديمة.. إياكم والشباب!.