أقصد: ادعوا للمسلم الذى يسافر إلى البيت الحرام لأداء مناسك الحج، بعدما كثر عدد من توفوا فى حوادث خلال موسم الحج، وآخرها حادث وفاة المئات خلال تدفق الحجيج لرمى الجمرات يوم الخميس الماضى. زمان كان من ينوى الحج إلى بيت الله الحرام، يحصى ما عنده، ويبيع كل ما يمكنه بيعه من ممتلكات، ويوصى من حوله، لأنه كان يعلم أنه مقدم على رحلة موت، بسبب مخاطر الطريق الذى كانت تطول الرحلة به لشهور، عندما كانت الجِمال هى وسيلة نقل الحجيج. اليوم الدنيا اختلفت، وأصبح أيسر ما فى الرحلة المقدسة هو وسائل النقل إلى الأرض المباركة، أما أصعب ما فيها فيتمثل فى المفاجآت التى يمكن أن يلاقيها الحاج أثناء أداء المناسك، والتى قد تودى بحياته، كما حدث مع حجاج هذا العام من دول العالم الإسلامى المختلفة.
بعد حادثة «الجمرات» خرج علينا عدد من المسئولين السعوديين يؤكدون أن السبب فى وقوعها هو عدم التزام الحجيج بالتعليمات. وبعيداً عما رواه بعض شهود العيان الذين حكوا لوسائل الإعلام تفاصيل ما وقع، وحالة التباطؤ التى ميزت أداء السلطات السعودية، الأمر الذى زاد من عدد الضحايا، فإننى أريد أن أتوقف أمام هذا التفسير الملفت للحادث، والمتمثل فى «عدم الالتزام بالتعليمات»!. أولاً لم يوضح لنا هؤلاء المسئولون ما تلك التعليمات التى لم يلتزم بها الحجيج، ولم يبينوا لنا معنى أن يدفع هذا الكم الهائل من البشر حياتهم ثمناً لعدم الالتزام بالتعليمات!. حقيقة الأمر لقد شعرت بأن المسئولين السعوديين -شأنهم شأن الكثير من المسئولين العرب- يميلون إلى «لوم الضحية» وهم يفسرون الحوادث التى تؤدى إلى إزهاق أرواح بشرية، ولوم هؤلاء الضحايا من الحجيج، لا يقل بؤساً عمن يلوم إنساناً مات مدهوساً تحت عجلات سيارة، لأنه هو الذى وضع نفسه أسفل منها!. هذه الطريقة فى التفكير تعنى أن المسئول لا يبغى شيئاً سوى التفلت من المسئولية أمام وسائل الإعلام، ولا يريد أن يحل المشكلة ويتعامل مع أسبابها بما تستأهله من شجاعة.
وشجاعة القول تقتضى ضرورة التعامل مع مشكلة الزحام المتزايد، والتى تتسبب فى سقوط مئات الضحايا، بالتفكير فى عدد من الأمور. أولها ضرورة إعادة النظر فى بعض التخريجات الوهابية التى تأسس عليها فقه الحج، طبقاً للتغير فى الظرف الزمنى والمكانى والبشرى، بشكل لا يتصادم مع الثوابت بالطبع، ولكن يأخذ فى الاعتبار المستجدات، وينطلق من حقيقة أن حماية الروح الإنسانية مقدم على أى شىء آخر، وثانيها التعامل مع فكرة زيادة الحجيج كل عام بشكل أكثر موضوعية، ووضع اشتراطات شرعية صارمة تقلل قدر المستطاع من الأعداد، وأن يتوقف بعض المسئولين بالمملكة عن النظر إلى تلك الشعيرة المقدسة كهدايا تمنح لتأليف قلوب من يرومون رضاءهم داخل بلدان العالم الإسلامى المختلفة، وربما أدى التأمل الواعى للآية الكريمة التى تقول: «الحج أشهر معلومات» إلى حل جذرى لمشكلة التزاحم!.