د. أحمد جاد منصور
أضواء علي حماية الدستور لحقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية "3"
أكدت المادة "58" من الدستور علي أن للمنازل حرمة. لا يجوز دخولها ولا تفتيشها ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائي مسبب.. ويعكس هذا الحظر الدستوري مدي أهمية حرمة المسكن لأنه سكن للمواطن وأهله يمنحه السكينة والطمأنينة والخصوصية مع أسرته وأهل بيته.. ولذا اشترط الدستور ضرورة صدور أمر قضائي سواء لدخول المنزل أو تفتيشه أو مراقبته أو التنصت عليه.
وفي إطار تعزيز الحماية للمنازل اشترط الدستور أيضا أن يكون الأمر القضائي قائما علي أسباب تبرر صدوره. وأن يحدد المكان تحديدا دقيقا والتوقيت. والغرض من الدخول أو التفتيش أو المراقبة أو التنصت..
كما أوجب علي مأمور الضبط القضائي القائم بتنفيذ الأمر القضائي أن ينبه من في المنازل عند دخولها أو تفتيشها.. وأن يطلعهم علي الأمر الصادر في هذا الشأن.. ولا شك أن هذا أمر يتفق مع الأخلاق والعادات والتقاليد المستقرة في مجتمعنا.
وخروجا علي القاعدة السابقة نص الدستور علي امكانية دخول المنازل دون اشتراط صدور الامر القضائي في حالات الخطر مثل وجود حريق بالمنزل أو في حالة استغاثة صاحب المنزل بسبب وجود أحد الأشخاص لارتكاب جريمة أو وجود حيوان مفترس..
وبعد أن أورد الدستور كل هذه المبادئ أحال إلي القانون لتنظيم كل هذه الأمور بالتفصيل ووضع كل القواعد والضوابط التي تكفل حماية حرمة المنازل.
وتؤكد المادة "59" من الدستور علي حق كل مواطن في الأمن والحياة الآمنة وعلي التزام الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها.. وهذا أمر في غاية الأهمية لأن الشعور بالأمن يأتي في مقدمة الحقوق التي ينبغي أن يتم توفيرها لكل انسان.. وهي أعظم نعمة بدونها لا يستطيع أي انسان ان يتمتع بأي من حقوقه وحرياته الأخري.
وتتولي جهات انفاذ القانون في الدولة القيام بهذا الالتزام الدستوري فنجد وزارة الداخلية تقوم بمسئوليتها من خلال الحد من الجرائم ومنعها قبل وقوعها عن طريق الأكمنة والتمركزات والمرورات والتواجد الأمني في الدوريات وغير ذلك. كما تقوم في حالة وقوع الجريمة بكشفها وضبط مرتكبيها وتقديمهم للنيابة العامة التي تقوم بالتحقيق في هذه الجرائم وإحالتها إلي القضاء للنظر فيها واصدار الأحكام العادلة بشأن مرتكبيها تحقيقا للردع الخاص بالنسبة لمرتكب الجريمة.. وتحقيقا للردع العام الذي يتمثل في رسالة واضحة لكل من تسول له نفسه ارتكاب أي من الجرائم.
ولا شك أن هذه المادة تتوافق مع المادة "237" من الدستور التي تؤكد علي التزام الدولة بمواجهة الارهاب بكافة صوره واشكاله باعتباره تهديدا للوطن والمواطنين ويفقدهم الحق في الأمن والحياة الآمنة.
ولم يقتصر التزام الدولة علي توفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها.. بل يتم تحقيقه أيضا لكل مقيم علي أرض البلاد.. أي لكل الأجانب أيا كانت جنسيتهم طالما مقيمون بالبلاد وأياً كان سبب الاقامة للعلاج أو التعليم أو السياحة أو غيره وأياً كانت مدة الاقامة الممنوحة لهم.. فيوجد التزام دستوري علي الجهات المعنية بالدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لهم.
وغني عن البيان أن توفير الأمن والأمان لكل المقيمين بالبلاد يعكس حالة الاستقرار.. وينقل إلي المجتمع الدولي صورة ايجابية عن حالة الأمن وما يؤدي إليه ذلك من توفير مناخ جاذب للسياحة والاستثمار بالبلاد.
ونجد أن المادة "60" من الدستور تفرض حماية فعالة لجسد الانسان وتؤكد علي حرمته وعدم جواز الاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به. وأن كل هذه الأفعال يعاقب عليها القانون.. كما حظر الدستور الاتجار بأعضاء الانسان وقد صدر بالفعل عام 2010 قانون يجرم كل هذه الأفعال. كما نص الدستور علي أنه لا يجوز إجراء أي تجربة طبية أو علمية علي جسد الانسان بغير رضائه الحر الموثق بمعني أنه لا يجوز اكراه أي انسان علي ذلك أو غشه أو تدليسه أو الضغط عليه بأي وسيلة من وسائل الاكراه المادي أو الأدبي.. كما يجب أن يكون رضاؤه مكتوبا موثقا وبالتالي لا يعتد بالرضا الشفوي.
واشترطت المادة أن يتم كل ما سبق وفقا للأسس والقواعد والضوابط المستقرة في العلوم الطبية.. وهذا ما تم مراعاته بالفعل في القانون الذي صدر في هذا الشأن.
وفي مجال تأكيد الدستور علي أن تبرع الانسان بأنسجته وأعضائه هو هبة للحياة للآخرين.. فقد نصت المادة "61" علي أن لكل انسان الحق في التبرع بأعضاء جسده اثناء حياته أو بعد مماته علي أن يكون ذلك بموجب موافقة أو وصية موثقة.. وأن الدولة ملتزمة بانشاء آلية لتنظيم قواعد التبرع بالأعضاء وزراعتها.. وهو ما تم مراعاته بالفعل من جميع النواحي الدينية والطبية وتم النص عليها بالفعل في القانون الصادر في هذا الشأن عام .2010
وغني عن البيان ان الأمر يقتصر علي التبرع وبالتالي يحظر تماما ان يكون هذا الامر بأي مقابل سواء كان ماديا أو عينيا ومهما كان قدره كبيرا أم صغيرا.. لأن هذا الامر محظور تماما لدخوله في نطاق الاتجار في الاعضاء البشرية.
وختاما عزيزي القارئ علينا جميعا ان نتنبه إلي أن الاتجار في الأعضاء البشرية أمر قائم وموجود بالفعل ليس علي المستوي الوطني فقط ولكنه موجود في دول أخري كثيرة.. وهنالك عصابات منظمة دولية ترتكب هذه الأنواع من الجرائم وتستغل الحاجة الاقتصادية السيئة التي يعاني منها مواطنو بعض الدول وتقوم باغرائهم بالاموال مقابل تنازلهم عن بعض أعضاء اجسادهم.. ويحققون من وراء ذلك مبالغ كبيرة وأرباحا طائلة.
وللحديث بقية