الأخبار
محمد فهمى
الليلة .. ياعمدة!
العجيب في الموضوع.. انه جري العرف طوال نصف قرن من الزمان ان يصدر قرار تعيين المحافظ.. ولا احد يعرف سبب التعيين.. ولا المهمة المنوط بها.. كما لا يعرف سبب انهاء خدمته

المخطط الاستراتيجي الذي اعتمده رئيس الوزراء شريف اسماعيل لـ16 مدينة في 11 محافظة.. جاء في وقته للمحافظة علي الرقعة الزراعية وحمايتها من التعدي.. ومنع ظهور مناطق عشوائية جديدة.. في الـ11 محافظة.. بسبب بسيط هو انه قدم البدائل القانونية للبناء فوق الاراضي الزراعية.
ومعني الكلام ان الحكومة وضعت كردونات جديدة تتعامل مع الواقع المترتب علي الزيادة السكانية الكبيرة التي أدت للبناء فوق الاراضي الزراعية.. وان نفقد كل ساعة ثلاثة أفدنة من الاراضي الزراعية وفقا لبيانات منظمة الاغذية والزراعة.
وهذه المشكلة ليست جديدة.. وأطلت علينا منذ ما يزيد علي نصف القرن.. وتم التعامل معها في كل مرة بالتجاهل وصرف النظر تفاديا لوجع الدماغ تارة.. وتارة أخري بالازالة الجبرية.. التي لا تحل المشاكل.. وانما تزيدها تعقيدا.. لان الازالة.. لا توقف الزيادة السكانية التي تحاط بالعديد من الاقوال الفقهية والامثلة الشعبية المتوارثة.. والمتداولة والتي لم تخضع لمناقشة أو دراسة الواقع علي نحو ما قامت به الدول التي واجهت نفس المشكلة.. مثل الصين علي سبيل المثال.
الزيادة السكانية الهائلة التي تواجه جميع المحافظات.. لم تسفر فقط عن البناء فوق الاراضي الزراعية.. وانما أدت الي هجرات الي العاصمة حيث تتوافر وسائل اكتساب الرزق.. مع امكانية السكن بالعشوائيات التي احاطت بالعاصمة احاطة السوار بالمعصم.
المشكلة قديمة.. بين سنوات الاستجمام والاسترخاء التي استمرت لاكثر من 30 سنة.. لم تواجهها.. أو تأخذها في الاعتبار والحسبان.. وسط تنافس مجموعة من رجال الاعمال.. علي حيازة الاراضي وتسقيعها واستيراد كل كبيرة وصغيرة من الخارج.. وهكذا بدأت الاحوزة العمرانية في كل المحافظات تتراجع امام زحف سكاني لا يهدأ ولا يتوقف.
وهكذا تفاقمت المشكلة وبلغت ذروتها في مدن منية النصر والمنزلة وشربين وطلخا بمحافظة الدقهلية ومدينتي كفر صقر وفاقوس بمحافظة الشرقية ومدينة بورسعيد ومدينتي دمنهور وابو حمص بمحافظة البحيرة.. والفشن بمحافظة بني سويف.. وبسيون بمحافظة الغربية.. ومدينة مصيف بلطيم بكفر الشيخ.. ومدينة قويسنا بالمنوفية.. ومدينة الحوامدية بالجيزة.. وقطعة ارض بمساحة 733.66 فدان بقرية بني غالب بمركز أسيوط.
ومع تقديرنا لقرار رئيس الوزراء باعتماد المخطط الاستراتيجي.. الخاص بالأحوزة العمرانية.. الا انه لن يحل المشكلة علي الامد البعيد.. بسبب بسيط هو غياب الرؤية السياسية للحكم المحلي منذ اكثر من نصف القرن وهي السياسة الثابتة التي لا تتغير او تتبدل.. بتغيير المحافظين.. ولا تخضع لمعايير الرؤية الخاصة لكل محافظة.
فمن أهم آفات الحكم المحلي ان كل محافظ يبدأ المشكلة من تحت الصفر، ويقوم بدور العمدة في فيلم الزوجة الثانية الذي يقع في حب زوجة أحد الفلاحين.. وهي من قبيل حسن الاختيار. الممثلة الراحلة سعاد حسني.. ويستعين بعدد من المساعدين يتقدمهم احد أرباب العمائم الذي يتولي إصدار الفتاوي التي توافق هوي واهواء حضرة العمدة.. ومن شيخ الخفر.. ومأمور قسم الشرطة.. ولم تقف ضده في هذا الفيلم سوي زوجته الممثلة القديرة سناء جميل.. التي أصرت علي ان يقضي العمدة ليلة زفافه معها وليس مع سعاد حسني وهي تردد الجملة التي اخذتها عنوانا لهذه السطور.. وهي الليلة.. ياعمدة.. في الوقت الذي كان العمدة يجيبها بالجملة الخالدة:
هيه حبكت الليلة.. ياحفيظة!
والعجيب في الموضوع.. انه جري العرف طوال نصف قرن من الزمان ان يصدر قرار تعيين المحافظ.. ولا احد يعرف سبب التعيين.. ولا المهمة المنوط بها.. كما لا يعرف سبب انهاء خدمته.. فيما تنطبق عليه كلمات المطرب عبدالحليم حافظ.
مشيت علي الاشواك.. لا عرفوا ايه وداك ولا عرفوا ايه جابك!
هذه السياسة.. يجب ان تتغير بعد ثورتين شعبيتين .. وان توضع خريطة جديدة لكافة محافظات مصر.. تحدد فيها الميزة النسبية لكل محافظة.. بحيث تتحول كل محافظة الي وحدة اقتصادية متكاملة تتخصص في انتاج محاصيل زراعية محددة.. وصناعات صغيرة.. كما كان عليه الحال في مديرية دمياط في العصر الملكي.. عندما كانت هذه المديرية تصدر الاثاث لكل ارجاء المملكة.. ويزورها اهل العروس والعريس لاختيار الاثاث.. وتوقيع عقد الشراء قبل توقيع عقد الزواج.
وبالمناسبة هذه الحالة ليست بدعة.. ففي غرب المانيا علي سبيل المثال تحمل كل محافظة.. اسم «ولاية».. وتتخصص كل ولاية في انتاج محاصيل تتميز بها.. بناء علي دراسات الخبراء والعلماء.. وليس وفقا لتقديرات حضرة العمدة.. كما تقوم بها صناعات محددة تقوم بتصديرها للداخل والخارج.. فنجد ان ولاية «نورد راين فستفالن» تصدر الخس لزوم السلاطة.. وقال لي رئيس الوزراء بكل فخر واعتزاز أن كل ثلاث خسات تباع في أوربا.. قادمة من الولاية التي يرأس مجلس الوزراء بها.
وفي هولندا .. نفس الحال.. حيث توجد مساحات شاسعة في مناطق محددة لتربية الابقار.. وترتع فوق حشائشها عشرات الآلاف من الابقار.. وفي رقبة كل بقرة جهاز.. تتلقي من خلاله تعليمات الرعاة.. عن طريق رنات الاجراس التي تفهمها الابقار.. وتطيع الاوامر.. وفق مبادئ السمع والطاعة.
والنماذج لا تقع تحت حصر.. وكلها تشير إلي ان كل محافظة نائية في اوربا.. هي في الحقيقة وحدة اقتصادية متكاملة.. وهي التي تمول كافة مشروعاتها وتقيم المستشفيات الحكومية والمدارس ودور الحضانة.. الخ.. بلا «مليم» واحد يأتيها من الميزانية المركزية للدولة.
ولذلك.. فقد آن الأوان.. كي نتلفت حولنا.. ونتعرف علي تجارب الدول التي خاضت التجارب الناجحة في مجالات الحكم المحلي.. ولو أدي الامر الي الاستعانة بفريق من الخبراء الاجانب في مجالات التخطيط العمراني.. كي نأخذ بنهجهم ونسير في طريقهم من أجل اعداد خريطة لموقع كل محافظة.. والزراعات التي تتفوق فيها عن غيرها.. واعداد الكوادر الصالحة لتولي أمور المشروعات التنموية التي تواكب الزمن من دقة النظر وصحة القياس وسعة الاطلاع في تجارب الأمم.. ونتوقف عن تعيين المحافظين الذين يقومون بدور العمدة في فيلم الزوجة الثانية.. ولا تجري علي لسانه سوي جملة «عيب.. ياحفيظة» كلما قالت له.
الليلة.. ياعمدة!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف