أتابع بشغف شديد الدراسات التي ينشرها الخبير التربوي الدكتور سعيد إسماعيل علي في ¢الأهرام¢ علي فترات متباعدة.. كل دراسة تحتل صفحة كاملة وتركز علي مشاكل التعليم في مصر ووسائل حلها.. وفي دراسته القيمة المنشورة يوم السبت الماضي - 19/9/2015 - قال كلاما صريحا مباشرا يستحق أن نتوقف عنده وننشره لأنه - ببساطة - يدحض كل الشعارات والعناوين البراقة التي يطلقها وزراء التربية والتعليم بدعوي إصلاح التعليم بينما هم في الحقيقة من أفسدوا التربية والتعليم.
تحت عنوان ¢اللعب الاستراتيجي¢ يروي د. سعيد إسماعيل علي أنه في ربيع 1987 اتصل به د. فتحي سرور وزير التعليم وقتها ليدعوه إلي المشاركة في وضع استراتيجية لتطوير التعليم في مصر.. وهو الأمر الذي تم بالفعل.. وعرضت الاستراتيجية في مؤتمر قومي حضره رئيس الجمهورية.. ولكن لم تمر شهور قليلة حتي أصدر د. سرور قانونا كارثيا بخفض فترة التعليم الإبتدائي سنة.. ولم يكن هذا أبدا له وجود في الاستراتيجية التي لم يكن حبرها قد جف بعد.. لماذا أذن كانت الاستراتيجية؟
.. مجرد كلمة براقة فخمة تخطف الآذان وتهز المشاعر.
ثم جاء بعده د. حسين كامل بهاء الدين ود. يسري الجمل ود. أحمد زكي بدر ود. محمود أبو النصر ود. محب الرافعي وأعلن كل منهم إعداد استراتيجية للنهوض بالتعليم حتي عام 2030 دون أن يلتزم أي وزير باستراتيجية وضعها من كان قبله..
يقول د. سعيد إسماعيل علي: ¢نخدع أنفسنا عندما نشكو الفقر المالي.. الفقر الحقيقي هو فقر المحاسبة.. فقر الضمير.. فهل نشكو بعد ذلك من فقر التعليم الذي هو علة فقر الوطن؟
وتحت عنوان ¢التنافس الخائب¢ يضرب د. سعيد مثلا بالمنافسة التجارية.. إذا انتجت إحدي الشركات سلعة جيدة تكتسح السوق فلن يكون أمام أية شركة منافسة إلا أحد طريقين.. إما إنتاج نفس السلعة بجودة أعلي وسعر أرخص لكسب السوق أو إرسال بلطجية لتدمير الشركة الأولي .. ومراكز الدروس الخصوصية تقدم خدمة ممتازة تجذب الطلاب الذين يدفعون لها آلاف الجنيهات ويتركون خلفهم الخدمة المجانية ¢الفاشلة¢ التي تقدمها وزارة التربية والتعليم.. ولكن الوزارة بدلا من أن تطور من خدماتها التعليمية ¢المغشوشة¢ راحت تهدد وتتوعد بإغلاق مراكز الدروس ومعاقبة المسئولين عنها.
يقول د. سعيد إسماعيل علي في ذلك.. ¢وإذا كانت هناك نظرة عادلة منصفة.. فالذين يستحقون العقاب هم مسئولو التعليم في مدارسنا لا أصحاب المراكز.. لا أقول ذلك دفاعا عن المراكز.. فهي بالفعل سبة في جبين التعليم المصري ولكن فلسفة العقاب تتجه في الغالب إلي المحرض والمتسبب فمن هو المحرض ومن هو المتسبب. أليس هو من يقدم سلعة مغشوشة ورديئة أم من يقدم السلعة الجيدة ذات الكفاءة المرتفعة التي تسد حاجة الزبائن؟
مثال آخر.. فقد شمر أحد وزراء التربية السابقين الخائبين - واللفظ للدكتور سعيد وليس لي - عن ساعديه ومضي يمتشق حسامه ليعلن أنه سيقضي علي ظاهرة ¢الكتاب الخارجي¢ الذي يدفع فيه التلاميذ ملايين الجنيهات بينما الوزارة تتكلف مئات الملايين لتأليف وطباعة كتب مدرسية لتلاميذ جميع مراحل التعليم.. غاب العقل العلمي وحلت محله الفهلوة والرغبة في الظهور الإعلامي.. فالعقل العلمي من شأنه أن يطرح السؤال الطبيعي.. لماذا ينصرف التلاميذ عن الكتاب الرسمي ويقبلون علي الكتاب الخارجي ويدفعون فيه الكثير رغم أن الأول متوافر بين أيديهم؟!.. الإجابة العلمية مفيدة جدا.. لأنها ستوفر ملايين علي الدولة وعلي الناس.. وسوف تعزز منطق المواجهة العلمي الإنساني الشريف.. بدلا من أن تعاقب منافسك تفوق عليه.. فإن لم تستطع فسوف يستمر في تقديم السلعة حتي ولو سرا.. ومن وراء الأبواب.. وتذهب النقود إلي غير مستحقيها.. وتضيع الملايين علي الدولة ويشقي المواطن بين غباء من هنا.. واستغلال من هناك.
لن أستطيع بالطبع أن ألخص كل ما جاء في الدراسة.. وكله مهم وشيق.. لكن يكفيني أن أنوه وأن أشير.. عسي أن ينفعنا الله ببعض ما يكتب هذا الرجل الوطني الصادق.