أجدنى مضطراً للكتابة عن الكوارث العديدة المستمرة فى مصر، رغم كثرة الموضوعات التى تحتاج إلى تعليق وتحليل وفى مقدمتها زيارة الرئيس الروسى بوتين، التى تذكرنا بزيارة الرئيس خروتشوف أيام الرئيس ناصر، وتحديات ذلك العصر، ومن أخطر تلك التحديات بناء السد العالى بعد أن رفض الغرب التمويل. وقد ساعد الاتحاد السوفيتى مصر لإكمال تلك المهمة. لا تزال الكوارث مستمرة فى مصر بدرجات متفاوتة، وموعد الانتخابات البرلمانية يقترب يوماً بعد يوم، لا يكاد الشعب يهدأ حتى تفاجئه كارثة أخرى، مثل الذى سبقتها أو أشد أو أقل.
الذى يقرأ صفحة الجرائم تروعه تلك الجرائم وهو بعيد عنها شخصياً وهى بعيدة عنه، لكن عنصر المشاركة والألم هو الذى يعتصر قلب المواطن الحساس، ويكاد لا ينتهى لفظاعة تلك الجرائم، خصوصاً الاجتماعية منها، وفى مجال العائلة الواحدة. ولد يقتل أباه لأن الأب لا يحترم الأسرة ولا الأم ولا التقاليد ولا الأعراف طبعاً، ولا يخشى الشريعة، ويرتكب من الآثام والكبائر ما لا تحمد عقباه. هذا على سبيل المثال لا الحصر.
أما التحديات الأمنية، فحدث ولا حرج، مباراة كرة قدم تتحول إلى أكثر من كارثة معاً، وكأن كارثة بورسعيد -التى لم ينتهِ فيها التحقيق بعد- لم تكن كافية، وكأنها ليست بالدرس الذى يجب أن نتعلم منه.
لا بد أن يكون هناك سبب وراء تلك الكوارث، ولا نستثنى من ذلك الإهمال، على أى جانب. كم كانت عناوين الصحف فى الصفحة الأولى مؤلمة ومعبرة عن تلك الكوارث، خصوصاً عنوان جريدة «الوطن» الذى قال «كرة الدم» بدلاً من «كرة القدم»، يفصل بين القدم والدم حرف القاف فقط، مثلما تقع الكوارث فى ثانية فيجب العلاج الناجز، ونحن جميعاً فى الرياضة وفى الأمن نقول وربما نتشدق بأن الوقاية خير من العلاج، فكيف كانت الوقاية وإجراءاتها؟ وكيف كان العلاج؟ هل من العقل أن يقتتل الناس خارج الاستاد، وتبدأ المباراة وتنتهى رغم كل هذا الغم والهم خارج الملعب. ثم توقف مباريات الكرة إلى أجل غير مسمى؟ فلماذا لم توقف تلك المباراة، وتتوقف المباريات أسبوعاً آخر أو أسبوعين ويستمر النشاط؟ هل تلك الأخطاء تهدد النشاط بالتوقف إن كان فى الرياضة أو فى غيرها؟ لماذا لم تفتح البوابات فى الاستاد من الصباح الباكر، أمام الراغبين فى حضور المباراة منعاً للتكدس؟
هل سيظل المتهم مجهولاً ويختفى فى كلام أجوف مثل «التدافع»؟ وأين نحن من ثقافة الرياضة والحوار مع الشباب، خصوصاً فى الأندية حتى يتعلموا -بعيداً عن التعصب- أن قتل نفس واحدة أعز على الله تعالى من هدم الكعبة؟ لماذا الاستهتار فى أى جانب أو فى معظم الجوانب إلى هذه الدرجة؟
يكفى ضحايا الإرهاب حتى نقبره فى مصر.
لفت نظرى أيضاً فى الأيام الأخيرة التقارير التى أذيعت عن الحسابات السرية لبعض المسئولين ورجال الأعمال المصريين فى سويسرا. لماذا لا نفعّل «من أين لك هذا؟» ونفصل بين المال الذى اكتسبه صاحبه من حلال أو مشروعية مهما كان حجمه بل ونشجعه، وبين المال الذى اكتسبه صاحبه من التزوير أو المحاباة أو المواد المسرطنة أو منتهية الصلاحية أو الأدوية المغشوشة أو الأرض المنهوبة والمسروقة... إلى غير ذلك من وسائل معيبة ومدانة، فضلاً عن حرمتها؟
لو أن هؤلاء أو بعضهم على الأقل قد اكتسب ماله من طرق شرعية واستثمر أمواله داخل بعض مشروعات التنمية لكان له شرف محبة الوطن والمواطنين، ولكانت أمواله فى مصر بقرةً حلوباً، ولاحترمه الجميع، لأن مجالات التنمية والاستثمار مفتوحة، والدولة تدعو المستثمرين الأجانب للاستثمار فى مصر. ما قيمة الوطن عند هؤلاء؟ أم أن الجلوس على مقاهى بحيرات سويسرا أهم من الوطن المنهوب والمغلوب على أمره؟
كيف نعالج أزمة الأخلاق والسلوك التى تظهر سوءاتها تقريبا فى كل شىء حتى ظهرت بوادر انحلال خلقى لم يستثنِ حتى المحارم ولا بعض سلوك قوم لوط، ولا حتى عدم الخجل عند الحديث عن الإلحاد والملحدين؟
صحيح أن كل شىء محتمل فى مصر لأننا نحارب الإرهاب وينبغى أن ننتصر عليه، وصحيح أن المواطنين الغاضبين لأسباب عديدة لن يتركوا أى جماعة أو حزب أو معارضة يستثمر هذا الغضب، لكن مع ذلك ينبغى أن يكون هناك مسئولية، وأن يكون هناك حساب على أى إهمال ومن أى جانب. الشعب لا يستطيع أن يتحمل تكرار الأخطاء إلى الأبد.
والله الموفق