كانت العدالة الاجتماعية أحد الشعارات الكبيرة التي هتفت بها ثورة 25 يناير لذلك كان من الطبيعي أن تنشيء الحكومات المتعاقبة بعد الثورة وزارة باسم "العدالة الاجتماعية" وتعقد العديد من المؤتمرات تحت عنوان "العدالة الاجتماعية" ثم تغير اسم الوزارة في حكومة محلب من "العدالة الاجتماعية" إلي "العدالة الانتقالية".. وأخيراً تغير اسم الوزارة في حكومة شريف اسماعيل من "العدالة الانتقالية" إلي "وزارة الشئون القانونية ومجلس النواب".
وقد لا تكون هناك علاقة بين وزارة "العدالة الانتقالية" ووزارة الشئون القانونية ومجلس النواب.. فمهمة هذه تختلف عن مهمة تلك.. ومع عودة مجلس النواب كان ضرورياً أن تعود وزارة الشئون القانونية ومجلس النواب.. وكان من الممكن أن تستمر وزارة العدالة الانتقالية.. إلا أن المستشار مجدي العجاتي وزير الشئون القانونية ومجلس النواب الجديد هو الذي أوصي من خلال تصريحاته بأن وزارته ورثت وزارة العدالة الانتقالية وحلت محلها وستقوم بدورها.
قال المستشار العجاتي إن "تغير اسم الوزارة من العدالة الانتقالية إلي الشئون القانونية لن يغير من دورها في شيء.. لأن العدالة الانتقالية كمنظومة نص عليها الدستور وسيقوم مجلس النواب بإصدار القانون الخاص بها.. وهي دستوري علي الدولة أن تنفذه".
ونحن نتمني أن يتحقق هذا الحلم المصري الكبير الذي طال انتظاره.. كل الحكومات السابقة منذ ثورة يناير وإلي اليوم كانت تتحدث بحماس شديد عن العدالة الاجتماعية أوالعدالة الانتقالية لكنها لم تفعل شيئاً. وظل هذا الملف مغلقاً ومؤجلا حتي تم تغيير مسمي الوزارة بالكامل.. والأكثر غرابة أنه علي مدي 4 سنوات مضت لم يتم الاتفاق علي تعريف واضح ومحدد لمفهوم العدالة الاجتماعية أو العدالة الانتقالية.
هل تتذكرون كيف كانت العدالة الاجتماعية واحدة من الشعارات البراقة التي التف حولها ثوار يناير حين نادوا بالعيش والحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية؟!
منذ ذلك الحين ظل مفهوم العدالة الاجتماعية يتردد في الأحاديث المنمقة أمام الكاميرات.. ويزايد به المزايدون.. لكنه لم يبرح كونه شعاراً ثورياً جميلاً يتم حشره في سياق الكلام لتزويقه ليس أكثر.. وعندما أضيفت العدالة الاجتماعية إلي عنوان وزارة التضامن وتولاها خبير يساري مخضرم هو الدكتور جودة عبدالخالق لم يستطع الرجل وفريقه وضع تعريف محدد للمفهوم وطريقة تطبيقه علي الأرض.. وكذلك لم يستطع كل من جاءوا بعده وإلي اليوم وضع هذا التعريف القابل للتطبيق.
وفي تقديري الشخصي أنهم جميعاً معذورون.. فإذا كان مجرد طرح شعار "العدالة الاجتماعية" استوجب قيام ثورة واعتصام في ميدان التحرير لمدة 18 يوماً فإن تنفيذ الشعار وتطبيقه يحتاج ثورة أطول نفساً وأعمق فكراً وأكثر اتساعاً.
نعم.. العدالة الاجتماعية أو العدالة الانتقالية - سمها ما شئت- تحتاج رؤية عامة وروحا جديدة.. ليس في وزارة واحدة وإنما في أجهزة السلطة كلها.. ويتم التعبير عن هذه الرؤية وتلك الروح من خلال انحياز واضح ومعلن ومتفق عليه.. حتي يجري ترجمته في الموازنة العامة التي تقول للجميع أن تنفق أموال الدولة.
وببساطة شديدة.. ودون الدخول في تعقيدات سياسية وأيديولوجية.. فإن العدالة الاجتماعية أو الانتقالية لا تعني أكثر من أن يجد المواطن تعليماً جيداً وتأميناً صحياً جيداً ووظيفة جيدة مناسبة لمؤهلاته تدر عليه أجرا يكفيه ويوفر له حياة كريمة ومسكناً جيداً مناسباً.. وأن يعيش المواطن آمناً يتمتع بحرية كاملة ويحصل علي حقوقه من خلال منظومة قضائية منضبطة وناجزة.
لو قالت أرقام الموازنة إن الدولة توجه أموالها إلي هذه المجالات هنا فقط نكون قد بدأنا نسير في طريق العدالة الاجتماعية أو الانتقالية حتي وإن كان الطريق لا يحمل اللافتة.