3 - أخشي أن أقول: إن حالة الانفلات السياسي والأمني والمجتمعي التي نعاني منها في السنوات الأخيرة ليس انعكاسا فقط للغياب الديمقراطي والتراجع الاقتصادي والتآكل الاجتماعي وإنما بسبب هبوط حاد في لغة التوجيه والمخاطبة مع الرأي العام سواء في الصحافة وسائر وسائل الإعلام الأخري المرئية والمسموعة وكذلك في السينما والمسرح.
وربما يكون الحديث عن دور المسرح في تشكيل وجدان الشعوب والأمم له الأولوية عن بقية الوسائل الأخري باعتبار أن آليات الانتقاء للنص المحترم القائم علي الكلمة المهذبة والفكرة الهادفة والأداء المبهر مسئولية مبدع واحد هو المخرج الذي يمسك في يده بمعظم مفاتيح الحركة والتأثير علي عقول وقلوب المشاهدين.
ولعل دافعي الشخصي لإثارة هذه القضية أن المسرح الذي أعرفه- ويعرفه كل جيلي الذي تفتحت مداركه في سن البلوغ والوعي في منتصف الخمسينيات - لم يعد له وجود الآن... المسرح الموجود الآن شيء آخر تماما يخلو من المتعة الفنية والذهنية ويستهدف فقط إشباع رغبة «الفرجة» والمشاهدة وسط أجواء صاخبة وإيقاعات سريعة وإبهار ضوئي وديكوري!.
المسرح الآن - ومع كامل الاحترام لقلة محدودة تحاول الحفاظ علي بعض تقاليده - يتجه إلي الارتداد كلية نحو عصر الارتجال الذي يسمونه تأدبا «خروجا علي النص» والسبب أن النص المكتوب لم يعد له وجود وإذا وجد فهو ضعيف لا يوفر أمام الممثل المسرحي ما يطمح إليه من مساحة واسعة لحرية الحركة والإبداع التي تثير إعجاب المشاهدين!.
والذي يحدث في المسرح ليس مسئولية المسرحيين وحدهم وإنما هو انعكاس للواقع الثقافي والفني والأدبي الذي يشهد تراجعا في قيمة الكلمة لصالح الاستعراض والإبهار... والدليل علي ذلك أن السنوات الحقيقية لازدهار الحركة المسرحية في مصر كانت هي سنوات ازدهار الكلمة المكتوبة.
وغدا نواصل الحديث..
خير الكلام :
ليست الحكمة في نقد الماضي فقط وإنما في استشراف المستقبل أيضا !.