الوطن
د. محمود خليل
السر فى الشيخ «عبد الحليم» (1)
كما انتهى المسلمون من أداء مناسك الحج، احتفل الآلاف من أتباع الطرق الصوفية والحامدية الشاذلية ومحبى وزائرى مولد أبى الحسن الشاذلى، من قبائل العبابدة والبشارية، باليوم الأخير والليلة الختامية لمولده، بالقرب من ضريحه ومسجده المقام بصحراء وادى حميثرة. فباتوا بالقرب من مقام «الشاذلى»، ثم صعدوا جبل «الحميثرة» يوم التاسع من ذى الحجة، وهبطوا منه بعد غروب الشمس استعداداً لذبح الأضاحى. التقاطعات كثيرة بين ما يؤديه الصوفيون بالقرب من مقام أبى الحسن الشاذلى وجبل «الحميثرة»، وما يؤديه الحجيج إلى بيت الله الحرام. ربما أصابك العجب لو صودف وقرأت حول هذا الموضوع، وقد يزول عجبك بعض الشىء إذا استمعت إلى التفسير الذى يسوقه الكثيرون فى مدار شرح هذه الظاهرة، حيث يصفونها بـ«حج الفقراء»، فتكلفة الرحلة المقدسة أصبحت عالية للغاية، كما أنها أصبحت درجات، تبدأ من حج القرعة حتى الحج السياحى والفاخر، لكننى أكاد أجزم أن عجبك سيزول كلية إذا علمت أن الفضل فى تأسيس هذه الظاهرة العجيبة يرجع إلى واحد من كبار مشايخ الأزهر الشريف، فقد أنتج هذا الشيخ نصاً مرجعياً يرفع الشيخ أبا الحسن الشاذلى إلى المراتب العلا ويحلق به فى السماء، أنستكثر بعد ذلك على البسطاء أن يعتبروا الطواف حول مقامه، والصعود إلى الجبل الذى يحتضنه، مماثلاً للحج إلى بيت الله الحرام. تريد أن تعرف هذا الشيخ؟ إنه الشيخ عبدالحليم محمود الشيخ الأسبق للجامع الأزهر.

يقول موقع الإمام عبدالحليم محمود إنه من مواليد عام 1910، وتولى أمانة مجمع البحوث الإسلامية، ثم تولى وزارة الأوقاف، ثم صدر قرار بتعيينه شيخاً للأزهر فى شهر مارس من عام 1973. وقد يكون من التجرؤ أن نقول إن الشيخ عبدالحليم محمود هو الأب الشرعى لنمط التدين القائم على فكرة «الدروشة» والسائد فى مصر حالياً، لكن لا بد مما ليس منه بد. ومصطلح «الدروشة» يتسع فى هذا السياق ليشمل «الصوفية» التى تتدروش حول ولى من أولياء الله، والجماعات الإسلامية بأطيافها المختلفة التى تتدروش حول «أمير»، والإسلام العام الشائع الذى يتدروش حول «داعية»، الدروشة تعنى ببساطة التحلق حول «قطب»، وتكاد تكون «القطبانية» جوهر تدين الكثيرين فى هذا الزمان بعد أن زهد المسلمون فى القرآن، واستسهلوا تلقى دينهم عبر «واسطة».

شكّل التصوف قاعدة انطلاق الشيخ عبدالحليم محمود نحو الشهرة واللمعان، تستطيع أن تستدل على ذلك من مؤلفاته، وأخطرها الكتاب الذى يشكل مجالاً للتحليل فى هذه السلسلة من المقالات، وهو كتاب «قضية التصوف: المدرسة الشاذلية»، وقد خصص الشيخ الجزء الأكبر منه لشخصية أبى الحسن الشاذلى بطل «حج حميثرة»، ولكن دعنا ننحى ذلك جانباً الآن ونذكر تلك الواقعة التى «صيتت» الشيخ «عبدالحليم» بعد أشهر قليلة من وصوله إلى موقع شيخ الأزهر. فقد رأى الشيخ قبيل حرب رمضان (6 أكتوبر 1973) رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبر قناة السويس ومعه علماء المسلمين وقواتنا المسلحة، فاستبشر خيراً، وأيقن بالنصر وأخبر الرئيس السادات بتلك البشارة، واقترح عليه أن يأخذ قرار الحرب ويطمئن إلى النصر. ومعنى هذه الواقعة أن الشيخ عبدالحليم محمود هو صاحب قرار العبور!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف