م. حسين منصور
صنايعية الخليفة والدرب الأحمر
الصنايعية فى الخليفة وفى الدرب الأحمر هم روح المنطقة وقلبها.. أصل صناعة الحجر والدق عليه ونحته وتحويله مآذن باسقة ومبانى شاهقة وقبات وزخرفته وتركيبه حليات.. كل ده كان أصله من الخليفة.. الرخام وتقطيعه وتحليته بالزخارف والنقوش كانت بدايته فى حوش شرقاوى فى الدرب الأحمر وأصبحت الخليفة المصدر الرئيسى لصنايعية الرخام معلمين وصبيان يتعلمون ويكبرون و«يبقوا معلمين»... أجيال ورا أجيال خرجتها الخليفة والدرب الأحمر من مرخماتية وصنايعية.
< ظلت الخليفة مركزاً رئيسياً لمعلمين البناء والمعمار «نجارين ـ حدادين ـ نقاشين ـ بنايين ـ صنايعية سيراميك وبلاط ـ صنايعية رخام...» إلخ من أعما البناء والمعمار.. سوق الصنايعية واستمراره يحتاج تدريباً وتطويراً للحفاظ على المهنة واستمرار إخراج أجيال متتابعة... مبرة مصطفى كامل تحولت فى ميدان القلعة الى خراب يباب... مساحة واسعة بها بقايا مبان مهترئة لا تقدم دعماً رياضياً ولا اجتماعياً وتحولت القاعة المتهالكة بها الى قاعة أفراح فقيرة وتحتل أفواج الكلاب والقطط الأرض الخالية... نحن بحاجة الى مركز تدريب مهنى لتخريج صنايعية مدربين مجهزين لدخول سوق العمل ومؤهلين له.. عبر دورات تدريبية تستمر ثلاثة أشهر يتخرج منها وهو يحمل الكفاءة والمهارة اللازمة ليأخذ مكانه الطبيعى فى مجال العمل، وأبناء الخليفة جديرون بهذا وهم أحفاد بناة من السلطان حسن وقلعة صلاح الدين وروائع المساجد التاريخية التى تعج بها الخليفة.
< صنايعية البناء والمعمار فى الخليفة لا تجمعهم رابطة ولا نقابة... إذا تعرض أحدهم لإصابة لا يجد تأميناً علاجياً... وإذا تعرض لإصابة تعيقه عن العمل أو تركت إعاقة لا يجد معاشاً ولا تعويضاً... أما نقابة العاملين بالبناء وصناعة الأخشاب فهى فرع خامل فى اتحاد العمال الذى تربى فى حجر النظام ولا يعرف أعضاءه ولا واجبات نحوهم... رابطة عمال البناء والمعمار بالخليفة أصبحت ضرورة ملحة لصالح أعضائها ورعايتهم علاجياً وتأمينياً فضلاً عن واجبها فى تطوير المهنة والمحافظة عليها... وكذا مواجهة ما يتعرض له الصنايعية من احتكاكات مستمرة مع أفراد الشرطة وتلك الممارسات الممقوتة فى النيل من كرامة المواطن، فوجود النقابة يوفر الحماية القانونية لأعضائها من الاعتداءات المختلفة، وأيضاً فى مواجهة غزو المخدرات الذى يطيح بأعداد واسعة من أبناء المنطقة وتبقى الأسماك الكبيرة ولا تقع سوى «البساريا» فى حرب المخدرات الموجهة والتى تقضى على زهرة شباب بلادنا.
< الدرب الأحمر أصل صناعة وتجارة الأخشاب... تجارة الأخشاب «الموسكى ـ الزان ـ اللطزانة ـ الكونتر بأنواعه..» وورش تقطيع الأخشاب... وطبعاً ورش النجارة للأثاث ونجارى الباب والشباك والحلوق... ونجارى الأثاث تخصصات فيه: نجار كرسى.. ونجار دواليب ونجار السفرة... والأويمجية اللى بيدقوا على الخشب فتطلع أحسن الزخارف والحليات والمدهباتى اللى بيدهب خشب الصالون بورق الدهب... ودهان الأوستر واللاكيه المغسول... صناعة النجارة أصلها فى الدرب الأحمر... وكل هذا بعيد عن دعم ومساعدة الدولة... حماية تلك الصناعات الفنية والإبداعية واجب لازم وإقامة مدارس التدريب والتطوير مهمة قومية للمحافظة على تراث طويل تداوله أبناء الدرب الأحمر.
< الكارثة الكبرى هى صناعة الأحذية.. تتركز تجارة وصناعة الأحذية فى الدرب الأحمر وباب الشعرية... لا توجد إحصائيات عن أعداد الورش... لكن ورش صناعة الأحذية فى الدرب الأحمر تحتل كل زقاق ودرب وحارة... منطقة الجدرية الصغيرة بالكامل تحتلها محلات وورش الأحذية... تصدير الجلود الخام «الوايت بلو» يقضى على هذه الورش لأن ما يتم تصديره يبلغ أكثر من 80٪ من الجلد الخام المنتج!!
والباقى يباع بأسعار مرتفعة للغاية... مستلزمات الأحذية أيضاً مرتفعة السعر طبقاً للاستيراد والجمارك... أما الإغراق بالمنتج الصينى فهو الذى قضى تماماً على ورش الأحذية. الإغراق بالمستورد أحذية الصين غير المطابقة للمواصفات القياسية ولا تخضع الواردات لمواصفات الجودة ولا اختباراتها لأن الهيئة العامة للصادرات والواردات لديها معمل واحد للتحليل يستطيع بالكاد أن يغطى العينات المأخوذة من 5 ملايين حذاء أما ما يتم استيراده فيتجاوز 150 مليون حذاء مصنعة من خامات رديئة مخالفة للجودة ويتم إغراق السوق بها بأسعار أقل من المصنع محلياً... فتتوقف صناعة الأحذية ويخرج صنايعية الأحذية والورش من سوق العمل ويلقون «حتفهم» وهذا تعبير حقيقى... توقف أكثر من نصف الورش العاملة بالدرب الأحمر وتسريح العمالة أدى الى خراب حقيقى كانت له آثار مدمرة على العديد من الأسر وعائلها الذى فقد عمله.
< وفى حين استطاعت غرفة دباغة الجلود وشعبة تجارة الجلود أن تدافعا عن استمرار تصدير الجلود الخام وأن يبقى السوق المصرى مفتوحاً للجلود المستوردة مرتفعة الثمن فضلاً عن ارتفاع أسعار الجلد المتبقى للسوق المحلى، ومن المعلوم ان المغرب وتونس تمنعان تصدير الجلود الخام... ويسعى كبار أصحاب المصانع الى اقامة توسعات فى مصانعهم بالاستعانة بالخبرة الصينية والتى تفتح الوزارة لها الأبواب يبقى صاحب الورشة الصغيرة وصنايعية الأحذية لا يجدون من يدفع عنهم الأذى والجور ويقدم لهم الدعم المنشود... وصاحب الورش عاجز عن تطويرها وميكنتها طبقاً لتعقد إجراءات القروض واختفاء أى سياسة دعم لأعمال التطوير من الحكومة والجهاز المصرفى ويتم تسريح العمالة لتختفى تلك الصنعة ولا تستطيع الحكومة اتخاذ أى إجراءات جادة فى مواجهة الإغراق بالمصنوعات الجلدية الصينية غير الخاضعة للرقابة والمواصفات... إن قضية دعم الورش الصغيرة وصنايعية الأحذية هى قضية مصيرية فى مواجهة الانحياز الحكومى لصالح كبار الرأسمالية والمستوردين ودفاعاً عن صناعة وطنية كانت تمثل رقماً مهماً فى إجمالى الصادرات المصرية.