حازم هاشم
رحيل «المندوه» الدائم علي سالم
كان أكثر ما يؤرقني بعد قفزة الرئيس الراحل أنور السادات إلي القدس، ثم اتفاق «كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل برعاية وضمانة أمريكية، ثم معاهدة السلام التعاقدي بين مصر وإسرائيل التي جعلت من حرب أكتوبر المنتصرة لمصر علي إسرائيل هي آخر الحروب. كان أكثر ما يؤرقني التطبيع الثقافي بين مصر وإسرائيل كما قضت به المعاهدة ونصت علي مفردات هذا التطبيع الثقافي!، إذ أرادت إسرائيل أن تجعل العلاقات الثقافية وتبادلها هي الهم الأول لها بشتي الأساليب والحيل التي تجعل العلاقات الثقافية أهم مفردات العلاقات المصرية الإسرائيلية في عهدها الجديد!، ولم تكن تعنيني من الناحية الشخصية علاقات الاقتصاد والتجارة وتبادل السفراء ليكون لعلم إسرائيل في القاهرة أعلي فيلا متواضعة في الدقي كما رأت إسرائيل أنها مبني لسفارة مناسبة!، دون أن تنتبه إسرائيل في عملية اختيارها لمبني سفارتها أنه متاخم لمقر منظمة التحرير الفلسطينية في القاهرة!، وهو الأمر الذي تداركته إسرائيل بسرعة لتختار سفارة أخري لها أعلي العمارة التي ظلت مقراً لسفارتها بأدواتها العليا المطلة علي النيل قرب كوبري الجامعة!، ومن أجل رصدي الخاص لتطورات التطبيع الثقافي بين مصر وإسرائيل أنفقت ثلاث سنوات كاملة لكي أضع كتابي «المؤامرة الإسرائيلية علي العقل المصري» الذي نشرته دار المستقبل العربي عام 1986، ونشر الكتاب مسلسلا قبل إصداره في جريدتي «الاتحاد» و«أخبار الخليج» في دولة الإمارات، وكانت للكتاب طبعة شعبية بعد ذلك في إطار مشروع «القراءة للجميع» الذي أسسته السيدة سوزان حرم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وقد أتي صدور الكتاب وسط رياح عاتية مسيطرة في مصر ترفض كافة أشكال التطبيع الثقافي وغيره من أشكال التطبيع، واتخذت نقابة الصحفيين وقتذاك قراراً شهيراً لها برفض التطبيع وتحريمه علي أعضاء النقابة منذرة من يقوم بالتطبيع بالشطب من عضوية النقابة، وصدرت سيول من الكتابات ترفض التطبيع وتفضحه ليظل في إطاره الرسمي بين الطرفين الحكوميين في مصر وإسرائيل، وكان علي سالم ـ رحمه الله ـ صديقاً لي ولغيري من غلاة الرافضين لأي علاقة مع إسرائيل!، وكان لعلي سالم تاريخه الطويل في الكتابة المسرحية وغيرها مما جعله واحدة من علامات المسرح المصري!، وفجأة قرر علي سالم السفر لزيارة إسرائيل، وانفجر الخبر عن سفره في وجوه الكثيرين ممن عرفوه!، وشعر البعض منا بأنه قد خدع!، وبدأ علي سالم حملة وقتذاك لشرح مبرراته ودوافعه للزيارة!، لكن هذا لم يكن مقنعاً في مجمله للكثير من المثقفين!، وأصبح علي سالم ضيفاً علي معظم البرامج التليفزيونية في الفضائيات سواء من كان يرفض خطوته بعنف، أو من كان لا يري من هذه الخطوة ما يدعو للهجوم عليه!، وأتذكر أنني كتبت مقالاً في جريدة «الوفد» كان عنوانه «المندوه الدائم» لأندد ساخراً بعلي سالم وما فعل، والتقينا مصادفة فأبدي علي سالم إعجابه ككاتب بالسخرية التي حفل بها المقال من العنوان إلي الخاتمة!، وقد خسر علي سالم كثيراً بسبب رحلته إلي إسرائيل والتي تكررت بعد ذلك!، لكنه لم يتراجع عن موقفه من ضرورة أن تقوم علاقات طبيعية بين إسرائيل والعرب!، وأن هذا لابد أن يبدأ من مصر التي كان مقتنعاً بأن معاهدتها مع إسرائيل مفتاح السلام العربي الإسرائيلي!، وقد عاش علي سالم حتي الرحيل مقتنعاً بذلك!، لكن أحداً لم يشاطره هذا الاقتناع! يرحمه الله.