الوفد
عباس الطرابيلى
كذب المنجمون.. والأرصاد!
لا أدرى لماذا يصدق الناس رجال الأرصاد خارج مصر.. بينما نحن لا يمكن أن نصدقهم.. ونحن داخل مصر.
فى الخارج ينتظر الناس أخبار الأرصاد ليعرفوا: ماذا يرتدون أهى ممطرة فيستعدون بالمظلات وبملابس المطر.. أو حتى لا يخرجون إلى الشوارع.. أما نحن ـ فى مصر ـ فنحن نسخر منهم.. حتى لو قالوا إن الجو بديع والسماء صافية، لأن هؤلاء «الأرصاديين» عندنا لا يفقهون.. ما يقولون.. بل إننى شخصياً «أسير» وأعمل عكس ما يعلنه هؤلاء.. والدلائل أمامنا بينة وظاهرة.
<< فمنذ عدة أيام يقولون إن الجو سيصبح بديعاً فى أواخر أيام العيد وإن درجة الحرارة سوف تنخفض ويصبح الجو لطيفاً.. ولكن ها هو الجو يخرج لسانه لكل رجال الأرصاد.. إذ تزداد درجة الحرارة.. وتزيد نسبة الرطوبة فى الجو.. ومتى؟.. ونحن الآن فى العشر الأواخر من شهر سبتمبر، ولم يعد باقياً إلا يومان ويهل علينا شهر أكتوبر، تشرين وما أدراكم ما شهر أكتوبر.
<< وكنا ـ ما إن يأتى شهر سبتمبر ـ نرتدى الملابس الشتوية ونضع الملابس الصيفية فى خزائنها.. وكان العواجيز من آبائنا ينصحوننا بأن نغير ملابس الصيف، عندما يغير رجال الشرطة ملابس الصيف.. وها هو شهر سبتمبر نفسه يودعنا، ومازلنا نرتدى ملابس الصيف.. بل نكاد لا نرتدى أى ملابس.. بسبب حر هذا العام!!
ويبدو أن شهور الصيف تتآمر ضد وزارة الكهرباء.. بل وتتآمر على ما بقى فى جيوبنا من نقود لكى ندفعها لوزير الكهرباء ورجاله مقابل استهلاكنا للكهرباء هذه الأيام!! ولا أحد يصدق أن شهور الصيف قد انتهت جغرافياً.. أو أننا الآن فى شهور الخريف!!
<< وزمان ـ كانت مصر ـ تعرف فصولاً مناخية أربعة: الصيف ثم الخريف.. ثم الشتاء.. ورابعهم: الربيع.. وكان لكل فصل ما نرتديه.. أى كانت عندنا ملابس للصيف وأخرى للخريف.. وثالثة للشتاء.. ورابعة للربيع.. وأتحدى إن أجاب صبى مصرى الآن عما يعرف عن فصل الخريف.. أو حتى فصل الربيع.. وربما يتغنى دون أن يدرى بأغنية سعاد حسنى: الدنيا ربيع والجو بديع دون أن يفهم معناها!!
الآن أصبحت حياتنا 11 شهراً هى شهور الصيف وشهراً واحداً وربما أقل يمكن أن نسميه شهر الشتاء.. طيب نعمل إيه.. وهل ننسى عصراً كان المصرى ابن المدينة يرتدى البالطو الصوف فوق البدلة الصوف.. وتحتهما الصديرى أو البلوفر الصوف من الكشمير أو الموهير وكان المصرى ابن الريف يرتدى العباءة الصوف من وبر الجمل ويلف رأسه بالكوفيه الصوف.. أما عما كانت ترتديه المرأة شتاء، فالحديث يطول.. حتى أن المصرية الآن نسيت تماماً ارتداء التايير الصوف التويد وتحته «التوينز» أى بلوزة من الصوف وفوقها البلوفر الصوف من نفس اللون وكل ذلك تحت التايير.. وكما انتهى عصر البالطو الرجالى التقيل.. انتهى عصر البالطو الحريمى الصوف ولن أتحدث هنا عن بالطو الفرو أو الجاكيت الفرو!!
<< وما دام الأمر كذلك.. ومادام رجال الأرصاد عندنا لا يعرفون الحقيقة كما يعرفها رجال الأرصاد ـ فى الخارج ـ فلماذا لا نوفر مرتباتهم وأجورهم وحوافزهم وبدلاتهم.. ونتركهم يجلسون فى بيوتهم أو نعيد فتح قهاوى النشاط التى كانت مشهورة فى حياتنا ماداموا لا يعرفون كيف يتنبأون لنا بحقيقة الجو والمناخ كما يعرف أمثالهم فى بلاد الفرنجة!
ولقد انتهت من حياتنا تلك المقولة التاريخية عن المناخ فى مصر من أن الجو حار جاف صيفاً.. ممطر بارد شتاء تماماً كما انتهت من حياتنا فصول الخريف والربيع ومعظم الشتاء.
<< أم ياترى ـ حكومتنا السنية ـ لا تزود رجال الأرصاد بما توفره حكومات الفرنجة لأمثالهم من معدات تجعلهم يعرفون ما سوف تأتى به الرياح.. قبل أن تأتى بأيام عديدة.
أقول ذلك وأنا أترحم على شيخ الأرصاديين والفلكيين المصريين محمود حمدى الفلكى باشا الذى درس بمدرسة الترسخانة ثم بمدرسة المهندسخانة بالقلعة ثم درس علوم الفلك أيضاً فى باريس ليتولى مدرسة الرصدخانة بعد عودته ودراسته التى استمرت هناك تسع سنين عام 1859 وأصبح عضواً بالمجمع العلمى المصرى الى أن عين ناظراً لمدرسة المهندسخانة وهو صاحب أدق خريطة للقطر المصرى بتكليف من والى مصر محمد سعيد وهى التى وزعت على التلاميذ فى عصر إسماعيل وهو مبتكر التقاويم السنوية إلى أن أصبح وزيراً للأشغال عام 1882 ومات عام 1886 وتكريماً له، أطلقت الدولة اسمه على شارع وميدان فى باب اللوق بالقاهرة هو ميدان الفلكى.
<< ولكن شتان بين محمود حمدى الفلكى باشا هذا.. وباعة البطاطة الحاليين الذين يعملون فى مجال الأرصاد.. أقصد مجال البطاطة مشوية أو مسلوقة.. وابحثوا عن.. عربات البطاطة الحديثة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف