الوطن
د. محمود خليل
السر فى الشيخ «عبدالحليم» (2)
قبل الاستطراد فى تحليل ما كتبه الشيخ عبدالحليم محمود عن أبى الحسن الشاذلى، بطل موضوع حج جبل «حميثرة»، أجد من الإنصاف ضرورة التنبيه إلى الدور الذى لعبه الرجل فى حماية الأزهر الشريف والذود عنه وعن استقلاليته، لكن ذلك لا يعفينا ولا يعفيه من التوقف عند الدور الذى قام به فى المقابل فى الترويج لأفكار كان من العجيب بمكان أن تصدر عن شيخ الأزهر، وهى أفكار ما زالت تجد صداها داخل المؤسسة وخارجها، وتشكل قاعدة لا يجب الاستهانة بها فى التأسيس لإسلام «الدروشة».. ذلك الإسلام الذى أصبح يتسكع فى كل ركن من أركان حياتنا، بين المتصوفة والجماعات الإسلامية وعوام المصريين، والواضح أن الأصل فيه هو «الأزهر».

تناول الشيخ عبدالحليم محمود فى كتابه: «قضية التصوف» شخصية أبى الحسن الشاذلى، ذلك القطب الصوفى الذى يطوف البسطاء حول قبره فى وادى «حميثرة»، كما تناول كبار المتصوفة الذين شكلوا تلاميذ مدرسته. الكتاب فى المجمل يحتشد بالحكايات العجيبة التى تتناقض مع العقل ومع ثوابت القرآن الكريم، بطريقة تجعل قارئه يتعجب كيف يروج شيخ للأزهر لمثل هذه الترهات. أول أعجوبة يمكننا التوقف أمامها هى ذلك الحوار الذى يذكر الشيخ عبدالحليم محمود أنه دار بين أبى الحسن الشاذلى والنبى صلى الله عليه وسلم، ورغم أن الرجل نقله عن كتاب (درة الأسرار)، فإن نقل الكاتب لأفكار غيره يعنى تبنيه لها، كما هو معروف. يقول الشيخ: «لما قدم المدينة -يقصد أبا الحسن الشاذلى- وقف على باب الحرم من أول النهار إلى نصفه، عريان الرأس، حافى القدمين، يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسُئل عن ذلك فقال: حتى يؤذن لى، فإن الله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ). فسمع النداء من داخل الروضة الشريفة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: يا على، ادخل».

لا يجد الشيخ عبدالحليم محمود غضاضة فى أن يتحدث بشر إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) وهو بين يدى ربه، ويرد عليه النبى من القبر. وهذا الكلام -فى حقيقة الأمر- لا يعدو التخاريف على المستوى العقلى، والأخطر أنه يتناقض مع العديد من الآيات القرآنية التى تؤكد عجز أى إنسان -بما فى ذلك النبى نفسه- عن الحديث إلى الموتى. يقول الله تعالى: «فإنك لا تسمع الموتى»، ويقول: «وما أنت بمسمع من فى القبور».

هذا الكلام الساذج هو الذى يبرر للمسلم البسيط الحديث إلى الأولياء والشكوى إليهم، ظناً منه أن بإمكانهم التدخل لدى الحكام لحل مشاكله. وقد عالج هذه الظاهرة التى أخذت تستفحل فى السبعينات عالم الاجتماع الشهير «سيد عويس» عندما تصدى لتحليل الرسائل التى يبعث بها البسطاء من المصريين إلى الإمام الشافعى، ليتدخل لدى الحكومة من أجل حل مشاكلهم. ومن اللافت أن صدور هذا الكتاب تزامن مع صعود نجم الشيخ عبدالحليم محمود فى سماء الحياة الدينية فى مصر. وليس فى مقدور عاقل أن يعتب على من يطوف حول قبر أبى الحسن الشاذلى ويتحدث له ويشكو إليه، ويطلب منه التدخل لحل مشاكله، وهو يرى الشيخ الأكبر للإسلام يعتقد أن هذا الولى كان يتحدث إلى النبى، ويرد عليه النبى (صلى الله عليه وسلم).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف