الأخبار
حمدى الكنيسى
«يأتي لكي يقَبل البيادة»
تعمد صديقي أن يكون أول ما يفعله لدي وصوله اليها هو أن يقبل «البيادة» ويتعهد لها بأن يكون جنديا في معركة البناء والتنمية والتقدم مشاركا في الاستثمار

اتصل بي قريبي «الذي يعيش في أمريكا منذ سنوات»، وقال لي وهو منفعل ومتحمس: لقد قررت أن أعود إلي مصر، وعلي فكرة لن أنحني علي الارض لكي أقبلها بعد غيبتي الطويلة، لأنني سأبدأ بأن أبحث عن أي جندي جيش أو شرطة حتي أقبل حذاءه.. أقصد «البيادة». وأضاف قائلا: صدقني ياحمدي سوف أعلن ذلك بكل اصرار، وقد اتخذت قراري هذا بعد مشاهداتي لما بثته شاشات التليفزيون لصور اللاجئين السوريين والعراقيين وربما الليبيين، شاهدتهم وهم يحاولون عبور «المجر» و«كرواتيا» ليتجهوا الي أي مكان يجدون فيه الأمن والأمان، شاهدتهم وهم يتعرضون للإذلال والإهانات والاعتداءات.. وشاهدتهم وهم يسقط منهم من يسقط في البحار وترتمي جثثهم علي شواطئ قاسية مثل ذلك الطفل السوري «إيلان» الذي هزت صورة جثته الصغيرة العالم كله، لكن ما أثارني ان الدول الضليعة في أحداث سوريا اكتفت بالتعبير عن أسفها دون ان تتحرك خطوة واحدة علي طريق إنقاذ سوريا من الإرهابيين، وينطبق ذلك طبعا علي العراق وليبيا.. وهكذا تتواصل مشاهد السوريين والعراقيين وهم يحاولون الهروب من الموت إلي الموت حيث تبتلع أمواج البحار المزيد منهم ليتجاوز عدد الموتي غرقا نصف مليون، وهكذا تتواصل أمام عيني وأمام العالم مشاهد القتل والدمار في سوريا العزيزة، وليبيا الحبيبة والعراق المهيضة، واليمن المريضة، فيتمزق قلبي ويتشتت عقلي، ولا أملك إلا أن أحمد الله لأن مصر الغالية نجت من هذه الكوارث الرهيبة بفضل شعبها العظيم وجيشها البطل وشرطتها الرائعة، ولا أدري حتي الآن لماذا تذكرت بمنتهي الضيق والأسي ذلك الشعار المأجور الذي أطلقه «بعد ثورة يناير» المتاجرون بالاسلام، وردده وراءهم شبان فقدوا الوعي والمنطق، وصاروا يرددون «يسقط حكم العسكر!!».. ويتهمون عشرات الملايين من الثوار الذين شاركوا في «ثورة يونيه» ومنحوا ثقتهم للمشير السيسي بأنهم يلعقون «البيادة»!! تذكرت ـ ياحمدي ـ ذلك الشعار المخادع المضلل، وأنا أتابع ما يحدث في الدول الشقيقة التي عجزت جيوشها عن إنقاذها من أخطر المؤامرات والمخططات الدموية التي تستهدف تمزيقها وتفتيتها لتتحول الي دويلات وكنتونات صغيرة متشرذمة هزيلة متهالكة لا تملك إلا ان ترتمي في أحضان اسرائيل وحلفائها، ولا تستطيع استعادة أبنائها الذين هاجروا وأبنائها الذين غرقوا!!، إنني ياحمدي أتلهف فعلا للعودة الي مصر حتي اقبل البيادة التي انقذتنا والتي تتصدي بالشجاعة والفداء للإرهابيين، وعلي فكرة تابعت مؤخرا عمليات «حق الشهيد» التي وجهت ضربات قاتلة قاصمة لمئات الإرهابيين ممن حشدتهم الجماعة إياها لينتقموا من ثورة يونيه التي أسقطت الحكم الفاشي الفاشل.. نعم ـ ياحمدي ستراني قريبا جدا في مصر وأنا أقبل البيادة ثم اتجه لتكتحل عيني بمرأي قناة السويس الجديدة وغيرها من المشروعات الكبري التي تجسد انطلاقة مصر علي طريق النهضة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتستعيد مكانها ومكانتها علي الساحة الاقليمية والدولية، وعلي فكرة ـ بدلا من ان أدلي بصوتي في انتخابات مجلس النواب في سفارتنا بواشنطن كما كان متوقعا، سوف أشارك مباشرة بالقاهرة في حملات التوعية باختيار من يكونون دعما للوطن في مسيرته الرائعة وليس أولئك يتخفون في ثياب الاسلام السياسي التجاري الذين لا يحملون لمصر إلا ما يلقيها في عصور التخلف والضياع كما يخطط ويتمني اعداؤها واعداء العروبة والاسلام!
هكذا ظل قريبي وصديقي «عبدالحميد» يحدثني بشكل متواصل، دون ان يترك لي فرصة واحدة لأمارس فيها هوايتي وخبرتي الاعلامية بالتحاور معه، وبصعوبة سألته: «صحيح أنك ستترك أمريكا التي كنت دائما تحدثني عن انبهارك بها»؟! وجاءتني المفاجأة بكلمات المحددة القاطعة قائلا لي: تصور ان ثورة يناير وثورة يونيه هما اللتان كشفتا لي ما أفقدني انبهاري وما تصورته عن أمريكا حامية الديموقراطية، حيث أنها بالرغم من أنها هي نفسها انبهرت وذهلت من احتشاد عشرات الملايين المصريين في ثورة يونيه فاجأتني إدارتها بالتنكر للثورة واتهامها بأنها انقلاب عسكري كما أوقفت معونتها العسكرية التي كانت قد أكدتها لمرسي وجماعته، بل أنها منعت وصول الطائرات والأسلحة المتفق عليها مع مصر، وبعد قيام الدستور باستفتاء شعبي هائل، وانتخاب السيسي رئيسا باكتساح شهد به الجميع، وبعد ان اعترفت دول أوروبية وغير أوروبية بالثورة المصرية وانجازاتها.. تحاول أمريكا أن تمسك بالعصا من المنتصف فلم تعد تتحدث عن الانقلاب العسكري المزعوم لكنها تتصل بالسلفيين وحزب النور.. ليعود من خلالهم «الاسلام السياسي المريب» الذي ثبت عمليا كذبه وفشله وتواطؤه وتشبثه بفكرة المتخلف ولو علي جثة «الوطن» الذي اساسا لا يعترفون به!!
هكذا تدفق حديث «عبدالحميد» الذي بلغني تليفونيا من بعيد (من واشنطن) ليؤكد من جديد انه فقد انبهاره بأمريكا، وزاد اصرارا علي العودة الي مصر، تعمد صديقي أن يكون أول ما يفعله لدي وصوله اليها هو أن يقبل «البيادة» ويتعهد لها بأن يكون جنديا في معركة البناء والتنمية والتقدم مشاركا في الاستثمار، مساهما في الخطوة البرلمانية الديموقراطية التي تليق بمصر «أم الدنيا».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف