من حج فلم يرفُث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" هو حديثٌ صحيح رواه البخارى وغيره، أرشد فيه المصطفى أمته إلى سُبل الخلاص من الذنوب والمعاصى فى موسم الحج الفضيل، وتتمثل تلك السبل فى تجنُب الرفث والفسوق، وهو الضمان الوحيد لخروج العبد نقيا من ذنوبه كخروج الوليد من بطن أمه.
ورغم أن من مقتضيات الإيمان تصديق النبى فيما أخبر واتباع أوامره واجتناب نواهيه، إلا أن حادث تدافع الحجيج فى يوم منى الدامى، يؤكد خللا فى مُعتقد كثير من المسلمين، وأن تصديقهم لقول النبى لم يتخط الجانب النظرى، حيث دار فى رحاه دون أن يرتقى للجانب التطبيقى، وكان من نتيجة ذلك ما شاهدناه من هرْج وتدافع راح ضحيته مئات القتلى ومثلهم من الجرحى!
ورغم أن البعض حمّل أشقاءنا السعوديين مسئولية ما حدث، إلا أن ذلك صورة من صور تعليق الأخطاء على "شماعة الآخرين"، وهو افتراء يُكذبه ما تبذُله المملكة من جهود مضنية لخدمة الحج والحجيج، تتمثل فى توسيعات الحرمين المكى والمدنى لاستيعاب الحجاج الوافدين، فضلا عن الاهتمام بالمشاعر المقدسة، وتطوير الطرق السريعة بين المدن، خاصة مكة والمدينة، وتوفير مساكن الإيواء، وإنشاء قطار المشاعر لتسهيل حركة الحجيج، كل هذا إلى جانب الرعاية الصحية، التى من مظاهرها تضاعف وحدات الرعاية الطبية، بداية من المنافذ البرية والجوية والبحرية، وصولا إلى المشاعر المقدسة، بالإضافة إلى خدمات النظافة والرعاية البيئية خاصة فى المشاعر المقدسة.
وإذا كنا نؤمن بأن حادث التدافع الذى راح ضحيته العديد من القتلى والجرحى هو قضاء وقدر، إلا أن السبب الحقيقى وراء ماحدث إضافة إلى ماسيسفرُ عنه البحث والتقصى، يتمثل فى عدم اتباع الحجاج تعليمات المنظمين للحج، وعدم احترام جداول مواعيد الزيارات والمناسك، مما يُحدث زحاما وتدافعا غالبا ما تكون عواقبه غير حميدة.
إن الحج هو دعوةٌ للنظام لأنه قصدٌ لبيت الله الحرام لأداء عبادة مخصوصة ذات أفعال مخصوصة فى أوقات مخصوصة، ومتى فقد. النظامَ، فقد شرط قبوله.
والغريب أن من لايحترمُ آداب الحج يتجشم مشقة السفر والإنفاق، ويعانى نار الغربة والفراق ولايرجع إلا بخفى حنين، وهو حالُ كثيرٍ من حجاج اليوم!