المساء
مؤمن الهباء
قيس وليلي
سعدت جدا بالنتيجة التي توصلت إليها الباحثة الصينية "لي لي سو" في دراستها التي حصلت بها علي درجة الماجستير بامتياز من كلية الآداب جامعة الإسكندرية.. فقد أثبتت بالأدلة العلمية أن قيس بن الملوح وليلي العامرية كانا شخصين حقيقيين عاشا في العصر الأموي.. وأن قصة حبهما كانت حقيقية وليست خيالا.. وأن شعرهما كان حقيقيا وليس "منحولاً" بتعبير الأقدمين.. فقد كانت ليلي شاعرة أيضا.
الخبر نشرته "الأهرام" يوم الجمعة الماضية وذكرت فيه أن رسالة الباحثة الصينية التي تعمل بالسلك الدبلوماسي الصيني في القاهرة حملت عنوان "ليلي والمجنون عند أحمد شوقي وصلاح عبدالصبور" وردت فيها علي إنكار د. طه حسين لوجود قيس وليلي في التاريخ.. وأكدت بالدليل حقيقة وجود قيس بن الملوح علي خريطة الوجود.. ونجحت في إثبات نسبه.
كما أكدت الباحثة في رسالتها الواقعية التاريخية لشوقي في تناوله لقصة قيس.. فجاءت أقرب إلي القصة الحقيقية.. بينما رأت أن صلاح عبدالصبور جعلها قصة معاصرة.. ووضعت الباحثة يدها علي شعر ليلي نفسها وأثبتته في رسالتها.. الأمر الذي جعلها تستحوذ علي إعجاب وتقدير لجنة المناقشة التي أثنت علي الباحثة ورؤيتها لطريقة المعالجة الفنية عند كل من شوقي وعبدالصبور لقصة قيس وليلي.
المهم في الموضوع بالنسبة لي أن قصة الحب الكبير الصادق حقيقية وحدثت.. وفي ذلك أبلغ رد علي من ينكرونها ويستكثرون علي الإنسانية أن تحمل مثل هذه الروح الراقية المحبة.. بل ويستهزئون بها.. ويعتبرون أن المحب إذا وصل إلي هذه المرحلة من الصدق والذوبان والاتحاد صار مجنونا أو عبيطا.. مع أن كل القيم النبيلة والأعمال الرائعة الجميلة لا تصدر إلا من قلب محب حبا حقيقيا.. الدين نفسه مظهر من مظاهر الحب.. ولولا الحب ما عبد الناس ربا عبادة صادقة وبذلوا أرواحهم من أجله.. ويتجلي هذا الحب عند الصوفية الذين عرفنا منهم مفردات مثل الهوي والشوق والوجد والهيام والنشوة ويقول قائلهم: "أنا من أحب ومن أحب أنا.. نحن روحان حللنا بدنا".
ويبدو أن شوقي الذي أشادت الباحثة الصينية بمعالجته الشعرية للقصة في مسرحيته الشهيرة "مجنون ليلي" كان متأثرا بهذا الإنكار لوجود قيس وليلي وجودا حقيقيا في التاريخ فجعل آخر بيت في المسرحية علي لسان قيس وهو يناجي ليلي في قبرها: "نحن في الدنيا وإن لم ترنا.. لم تمت ليلي ولا المجنون مات".. وهو بيت عبقري كما تري لأنه ينفي القصة ويثبتها في ذات الوقت.. بل يسجل لها الخلود.. فليلي لم تمت ولا قيس مات ولا قصتهما اندثرت.. وإنما عاشا وسيعيشان طالما بقيت علي هذه الأرض قلوب ترتعش حبا.. فالحب في الأرض - كما قال نزار قباني - بعض من تخيلنا.. إن لم نجده عليها لاخترعناه.
وحملة الإنكار لوجود قيس وليلي قادها طه حسين الذي بشر في النصف الأول من القرن الماضي بمنهج الشك الديكارتي.. فأنكر وجود الشعر الجاهلي وأنكر قصص المحبين واعتبرها قصصا موضوعة ومنحولة "افتكاسات مفبركة".. بل أنكر وجود سيدنا إبراهيم في التاريخ.. والحمد لله كانت موجة وعدت.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف