أ.د. حسام الدين مغازى
رحلة سنغافورة من العالم الثالث إلي الأول (3)
وحينما اتحدث عن التعليم كأستاذ جامعي مارس مهنة التدريس لأكثر من ثلاثين عاما قبل ان اكون وزيرا للموارد المائية والري، فإنني اقصد الهدف الاساسي للتعليم
استأنف اليوم الحلقة الثالثة والاخيرة عن زيارة السيد رئيس الجمهورية لسنغافورة وأرصد في هذه المقالة مدي التقدم المذهل في ميناء سنغافورة، والذي يعد احد اهم مصادر الدخل الرئيسية لهذا البلد، وقد شاهدنا في غرفة التحكم المركزية نقل الحاويات والاوناش العملاقة والتحكم فيها مركزيا، حيث تستقبل سنغافورة حوالي 65 مليون حاوية سنويا وأصبحت مركزا تجاريا لنقل وتداول البضائع.
والحديث عن تجربة سنغافورة مرتبط بالتعليم، الطريق السحري الذي سلكته لتصبح واحدة من اكبر الاقتصاديات العالمية، وحينما اتحدث عن التعليم كأستاذ جامعي مارس مهنة التدريس لأكثر من ثلاثين عاما قبل ان اكون وزيرا للموارد المائية والري، فإنني اقصد الهدف الاساسي للتعليم وهو اكتساب مهارات تتواءم مع السمات والاهتمامات الشخصية للمتعلم، ليس المقصود حشو الرءوس بمعلومات اصبحت متاحة علي الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت) بشكل اكثر جاذبية من الكتب والمذكرات، او الاعتماد علي الحفظ لابتلاع اكبر كمية من المعلومات بدون سبر ماوراءها من معارف ومهارات وسلوكيات.
والتعليم لاينفصل عن سلسلة القيم التي يؤمن بها المجتمع، ومن اهمها قيم التسامح وقبول الآخر ونبذ التعصب، وهي قيم من المهم التسلح بها في مواجهة قوي التطرف والارهاب التي يتم محاربتها بكل الطرق، ومن اهمها احلال القيم الايجابية وتسويقها في المجتمع حتي لاتسمح للمتطرفين باستغلال اي فراغات لنشر افكارهم الهدامة. وهنا اتذكر السيد لي كوان يو رئيس الوزراء السنغافوري اثناء لقائه مع الرئيس السيسي والوفد المرافق لسيادته حينما أكد علي ان الارهاب مثل الفيروس، وأي اهمال له يسمح بانتشاره وانتقال عدواه في اوساط اوسع. كما اكد لي كوان يو علي ثقته الكبيرة في مؤسسة الازهر الشريف لتكون رأس حربة فكرية ضد التطرف والارهاب في العالم كله.
وزيارة الرئيس لسنغافورة تواكبت مع اليوبيل الذهبي للعلاقات بين البلدين (1965-2015) وهو توقيت ذكي لتنشيط العلاقات مع هذا البلد الواعد الذي تربطنا به علاقات صداقة قديمة ومواقف سياسية متطابقة، فقد كان لسنغافورة موقف ايجابي من ثورة الشعب المصري في 30 يونيو والتي ساندها وساعد في انجاحها الجيش المصري، كما كانت لهم مشاركة ايجابية في المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد في مارس الماضي بشرم الشيخ، ولهم دور كبير في تنمية اقليم قناة السويس الذي يجري تنفيذه.
ومن الطريف ان رئيس الوزراء الحالي لي كوان يو، وهو بالمناسبة الشخصية الرسمية الاولي في البلاد طبقا لنظامها البرلماني، هو ابن رئيس وزراء سنغافورة في فترة مابعد الاستقلال، وقد ذكرنا ان والده الراحل قد عبر قناة السويس في الستينيات اثناء عودته إلي سنغافورة قادما من انجلترا، كما كان لوالده علاقة خاصة بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي دعم استقلال سنغافورة وكانت مصر من اوائل الدول التي اعترفت رسميا بها، كما ساعدتها علي الانضمام إلي كتلة عدم الانحياز التي قادتها مصر. ولم ينس لي كوان يو ان يقدم التهنئة للشعب المصري علي ثقته في قيادته السياسية بجمع الاموال اللازمة لحفر قناة السويس الجديدة في ايام وجيزة، كما هنأ الرئيس السيسي علي الانتهاء من هذا المشروع العملاق الذي وصفه..بأنه سيكون اضافة هامة لتعزيز الاقتصاد العالمي.
وظللت أسأل وأتحري لماذا تشغل سنغافورة مركزا متقدما في مقياس الشفافية، وكيف نجحت في القضاء علي الفساد ؟ وعلمت انه لايوجد تعامل مباشر بين الموظف والمواطن في أي مصلحة وانما كل الاجراءات تتم من خلال الكمبيوتر في تقديم الطلب طبقا للإجراءات ويأتي له الرد بنفس الاسلوب وتحديد موعد استلام المطلوب ايضا من خلال الحاسب الآلي، وبالتالي لا يتقابل المواطن مع الموظف وجها لوجه او حتي يعلم من هو، ومن هنا تم القضاء علي معظم الابواب المؤدية للفساد.
وجاءت محطة هامة في هذه الزيارة التاريخية وهو لقاء السيد الرئيس مع رجال الاعمال السنغافوريين وكيف قام سيادته بعرض الفرص الواعدة للاستثمار في مصر مؤكدا أن مصر هي رمانة الاستقرار ومرشحة لمزيد من النمو خاصة بعد توسعة قناة السويس وقانون الاستثمار الجديد وتطوير آليات فض المنازعات للمستثمرين وأهمية الشراكة بين القطاع العام والخاص وتطويرها ودعوة رأس المال السنغافوري للاستثمار في مصر.
والحقيقة اننا يجب ان نفخر برئيس مصر الحريص دائما علي الحفاظ علي كرامتها وهيبتها.
حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء.