مع السيسي .. في «نيويورك - 2»
في القاعة المهيبة للجمعية العامة للأمم المتحدة المكسوة باللونين الذهبي والزيتوني، طالت كلمات رؤساء الدول من المتحدثين في اجتماعات الدورة السبعين، عما كان مقدرا لها، وبدأت تصلنا- أعضاء الوفد الإعلامي المرافق للرئيس والجالسين في شرفة القاعة التاريخية- رسائل علي أجهزة المحمول، تستفسر عن سر تأخر الرئيس السيسي في إلقاء كلمته.
وفي الساعة الخامسة مساء- الحادية عشرة بتوقيت القاهرة- ترك الرئيس مقعده في رئاسة وفد مصر إلي خارج القاعة، ليدخل إليها من جديد طبقا للمراسم، ويجلس علي مقعد عالي الظهر، يستمع إلي كلمة ترحيب وتقديم من رئيس الجمعية العامة.
15 دقيقة، استغرقتها كلمة الرئيس السيسي من منصة الجمعية العامة، التي شهدت كلمات ومواقف غيرت مسار العلاقات الدولية علي مدي 70 عاما مضت.
قوبل الرئيس بترحيب لافت من الحضور من قادة الدول ورؤساء الوفود، منذ اعتلي المنصة وحتي أنهي كلمته بهتافه المحبب للمصريين: «تحيا مصر». لم يقتصر التصفيق الذي قوطعت به كلمة الرئيس أكثر من 10 مرات، علي الوفد المصري والوفود العربية، بل لوحظ أن وفودا لاتينية وأفريقية، وقفت تصفق بحرارة للرئيس، خاصة وهو يتحدث عن القضايا العربية وبالأخص قضية فلسطين. وضرورة قيام دولتها المستقلة علي الأرض التي احتلت في الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك وهو يتحدث عن قضية الإرهاب، مدافعا عن سماحة الإسلام في مواجهة القلة التي تدعي أنها تحتكر التحدث باسم الدين.
< < <
كان أكثر من أثار اهتمام الحاضرين في كلمة الرئيس هو مبادرته التي أطلقها باسم «الأمل والعمل» لاجتذاب طاقات الشباب الخلاقة في دول العالم بعيدا عن أفكار التطرف، وتوظيف قدراتهم لبناء المستقبل.
منذ أسابيع اقترحت وزارة الخارجية علي الرئيس السيسي، هذه الفكرة، ورحب بها ورأي أنها فرصة لبث الأمل في نفوس الشباب، وعمل استباقي يقطع الطريق علي تمدد تيارات الإرهاب في المجتمعات.
كلف الرئيس فريقا لبلورة الفكرة في مبادرة، لطرحها علي الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالفعل اعتبرت المبادرة وثيقة من وثائق المنظمة الدولية، تتولي تنفيذها المنظمات المعنية التابعة لها بالتعاون مع الدول الأعضاء.
والمنتظر أن تعلن آليات تنفيذ المبادرة وتمويل فعالياتها والبرامج الخاصة بها، مع انتخاب مصر عضوا غير دائم بمجلس الأمن وتوليها مقعدها بين الأعضاء الخمسة عشر في مطلع العام الجديد.
< < <
زيارة الأيام الستة للرئيس السيسي إلي نيويورك هذا العام، كانت حافلة بالمؤتمرات والاجتماعات واللقاءات مع رؤساء الدول، وأشبه ما تكون بزيارة لعديد من الدول مضغوطة ومكثفة في رحلة واحدة.
غير أن حضور الرئيس هذا العام تميز عن العام السابق الذي شهد إطلالته الأولي علي المجتمع الدولي، من أكثر من زاوية، منها أنه شارك في معظم المؤتمرات المهمة التي عقدت علي هامش اجتماعات الجمعية العامة، فقد ترأس اجتماع رؤساء الدول الافريقية الخاص بالتغيرات المناخية، ومؤتمر التعاون بين دول الجنوب الذي دعت إليه الصين، وقمة مكافحة تنظيم داعش الذي دعت إليه الولايات المتحدة، والمؤتمر الخاص بجنوب السودان.
علي أن أهم ما يميز حضور الرئيس هذا العام، هو ما بدا عليه من تمرس وخبرة، وما ظهر من نتائج رحلاته الخارجية خلال عام مضي شرقاً وغرباً، خاصة في بناء علاقات شخصية وطيدة مع عديد من قادة الدول، أثمرت عن تعزيز علاقات التعاون بين بلادهم ومصر. وأيضا ثبوت سلامة رؤيته وتحذيراته من تفاقم ظاهرة الإرهاب ونشوء أزمة اللاجئين.
< < <
من بين ٢٢ لقاء قمة ثنائيه، عقدها الرئيس السيسي مع رؤساء دول يمثلون ٥ قارات، اكتسبت لقاءات اليومين الأخيرين أهمية إضافية، وبالأخص اللقاء مع الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند.
عندما دخل الرئيس القاعة الجانبية الصغيرة المخصصة للوفد الفرنسي، استقبله أولاند معانقا ومقبلا، واعتذر له مداعبا: لقد استقبلتني في قاعة ضخمة باحتفال قناة السويس، واسمح لي أن أقابلك في هذه القاعة الصغيرة.
كان اللقاء وديا، وتناول قضايا الإقليم، والتعاون المصري الفرنسي. وعبر السيسي عن شكره لأولاند في إنهاء تعاقد مصر علي حاملتي الهليكوبتر الفرنسيتين طراز «ميسترال»، اللتين تعتبران طفرة في تسليح البحرية المصرية تمكنها من الدفاع والردع وحماية المصالح الحيوية المصرية علي امتداد الإقليم.
وأبدي أولاند سعادته بتنظيم معرض الكنوز الأثرية المصرية الغارقة منذ ٣ أسابيع، وقال ان أولاده المغرمين بالحضارة المصرية وقفوا أكثر من ساعتين في الطابور لدخول هذا المعرض.
وأنهي أولاند اللقاء مؤكدا انه سيطلب من الشركات الفرنسية تعاونا أكبر في الاستثمار مع مصر، والمساهمة بشكل أوسع في المشروعات المصرية الكبري.
وفي اللقاء مع ماتيو رينزي رئيس الوزراء الإيطالي، هنأ رينزي الرئيس علي حقل الغاز «شروق» الذي اكتشفته شركة «إيني» الإيطالية، مشيرا إلي انه أعطي توجيهات للشركة للعمل بكل نشاط في تنمية الحقل. ثم قال للرئيس: أريد أن أسمع منك لما يحدث في سوريا وليبيا، لأني أثق في رؤيتك وأقدرها.
وفي ختام اللقاء.. نظر رينزي إلي معاونيه وقال: الأولوية عندي، هي تقديم كل ما يمكن لدعم التنمية الاقتصادية في مصر.
ومع مارك روتي رئيس وزراء هولندا التي اتخذت في البداية موقفا سلبيا من ثورة ٣٠ يونيو.. قال الرئيس: ان عندنا تجربة ديمقراطية نحرص عليها، لكن لا تقيسوا هذه التجربة الوليدة بالمجتمعات الديمقراطية المستقرة، فأمامنا طريق طويل. لكن هدفنا واضح وهو بناء ديمقراطية حقيقية، ليس فيها فرض أو إملاء، ولا يوجد فيها رئيس يحكم أكثر من دورتين، وبها برلمان يمارس الرقابة وسلطة التشريع.
ورد رئيس الوزراء الهولندي: «ونحن ندعمكم من أجل مواصلة العمل والمضي علي طريق الديمقراطية».
كالعادة.. كان لقاء الرئيس السيسي مع هايلي ماريام ديسالين رئيس الوزراء الإثيوبي وديا. وحرص الرئيس علي أن ينقل بهدوء ومودة رسالة حاسمة مؤداها ضرورة التحرك في ملف دراسات سد النهضة وعدم التلكؤ.
ورد ديسالين قائلا: نحن ملتزمون وحريصون علي علاقاتنا مع مصر، ولن ندع الخلاف بين المكتبين الاستشاريين الهولندي والفرنسي يؤثر علينا.
وأضاف: ان سبب التأخير هو تشكيل حكومة جديدة، بعد الانتخابات، ونحن ملتزمون بألا يستخدم سد النهضة في أغراض سياسية ولا من أجل الإضرار بأحد، وإنما لمصلحة إثيوبيا ومصر والسودان.
وتم في اللقاء الاتفاق علي عقد اجتماع اللجنة الفنية المشتركة يوم ٥ أكتوبر، فور الانتهاء من تشكيل الحكومة الإثيوبية.
< < <
الجانب الأمريكي في زيارة الرئيس لنيويورك، شمل لقاءات مع رؤساء صناديق الاستثمار والشركات الأمريكية العاملة في مصر والراغبة في الدخول للاستثمار، وصناع القرار من سياسيين ومفكرين ورؤساء مراكز بحوث، ولقاء منفرد مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون.
في اللقاء مع الشركات الأمريكية.. أبدي رؤساؤها تقديراً لما جري من اجراءات لتشجيع الاستثمارات في مصر.
وقال ديفيد ماكلينان رئيس شركة «كارجيل»: إن لدينا مشاكل في سعر صرف الدولار. ورد الرئيس قائلا: لابد أن تتفهموا ظروفنا، نحن نريد تعزيز النظام النقدي واحتياطي العملات. تحملوا معنا وأعتقد أن الأمور ستتحسن في غضون أشهر معدودة.
وقال كيرت فيرجيوسون رئيس شركة كوكا كولا في الشرق الأوسط وشمال افريقيا: إننا سنتوسع في استثماراتنا لنكون أكبر شركة للمياه الغازية في مصر.
ورد عليه إندرا نويي رئيس شركة بيبسي العالمية قائلا: كوكا كولا لا تستطيع. نحن أقوي منها ونصدر منتجاتنا من مصر إلي ٥٠ دولة وسوف نزيد من استثماراتنا.
وضحك الحاضرون، وقال رئيس غرفة التجارة الأمريكية المصرية: «نحن لدينا بين الشركات الأمريكية.. أهلي وزمالك»!
وفي لقاء الرئيس بالمفكرين وصناع القرار.. تحدث هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق عن منظوره للتعامل مع أزمات الشرق الأوسط، قائلا إن التعامل مع هذه الأزمات يتطلب رؤية إستراتيجية وأكد أكثر من مرة أهمية الحفاظ علي العلاقات الإستراتيجية المصرية الأمريكية وتعزيزها.
وقال النائب الديمقراطي عن ولاية نيويورك اليوت أنجل للرئيس بعدما استمع إليه: إننا نتمني أن تأتي إلي واشنطن وتطرح رؤاك عن الإرهاب وقضايا المنطقة في خطاب أمام الكونجرس.
أما في اللقاء مع بيل كلينتون، فقد بدا الرئيس الأمريكي الأسبق، مهتما للغاية بالاستماع إلي رؤية الرئيس السيسي عن التطورات في المنطقة، وقال له الرئيس: تذكر ما قلته لك في لقائنا هنا العام الماضي. ورد كلينتون مؤكدا تأييده لمصر وموقفها، ومعبرا عن تقديره لدور الرئيس وقال إن الكل يعوِّل علي دورك في عملية السلام من أجل التوصل إلي تسوية سياسية. وأضاف كلينتون: انني من مؤيديك، وسأنقل ما سمعت ورأيي في ضرورة معاونة مصر إلي البيت الأبيض.
قبل أن يغادر الرئيس السيسي نيويورك.. حضر قمة مواجهة تنظيم داعش التي دعا إليها أوباما.
وحرص أوباما في ختام كلمته، علي أن يغادر المنصة وذهب لمصافحة الرئيس السيسي شاكرا له ما قاله من تصريحات وعبر عنه من مواقف في أحاديثه للإعلام الأمريكي.
وسألت مصدرا رفيع المستوي في ختام الزيارة عما تردد عن وجود فتور في العلاقات المصرية الأمريكية.. قال بوضوح: علي العكس. العلاقات تشهد تطوراً مطرداً. وهناك حرص متبادل علي الحفاظ علي العلاقات الإستراتيجية بين البلدين ودفعها قدماً.